الأولى : قوله تعالى :﴿ فَإِمَّا تَرَيِنَّ ﴾ الأصل في تريِن تَرْأَيِينَ فحذفت الهمزة كما حذفت من ترى ونقلت فتحتها إلى الراء فصار "تريين"، ثم قلبت الياء الأولى ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها، فاجتمع ساكنان الألف المنقلبة عن الياء وياء التأنيث، فحذفت الألف لالتقاء الساكنين، فصار تَرَيْنَ، ثم حذفت النون علامة للجزم لأن إن حرف شرط وما صلة فبقي تَرَىْ، ثم دخله نون التوكيد وهي مثقلة، فكسر ياء التأنيث لالتقاء الساكنين ؛ لأن النون المثقلة بمنزلة نونين الأولى ساكنة فصار تَرَيِنَ وعلى هذا النحو قول ابن دريد :
إما تَرَىْ رأسِيَ حَاكَى لونُهُ...
وقول الأفوه :
إما تَرَىْ رأسِيَ أَزْرَى به...
وإنما دخلت النون هنا بتوطئة "ما" كما يوطِّىء لدخولها أيضاً لام القسم.
وقرأ طلحة وأبو جعفر وشيبة "تَرَيْنَ" بسكون الياء وفتح النون خفيفة ؛ قال أبو الفتح : وهي شاذة.
الثانية : قوله تعالى :﴿ فقولي إِنِّي نَذَرْتُ ﴾ هذا جواب الشرط وفيه إضمار ؛ أي فسألكِ عن ولدِك ﴿ فقولي إِنِّي نَذَرْتُ للرحمن صَوْماً ﴾ أي صَمْتاً ؛ قاله ابن عباس وأنس بن مالك.
وفي قراءة أبيّ بن كعب "إِنِّي نَذَرْتُ للرحمن صَوْماً صَمْتاً".
وروي عن أنس.
وعنه أيضاً "وصمتاً" بواو، واختلاف اللفظين يدل على أن الحرف ذكر تفسيراً لا قرآناً ؛ فإذا أتت معه واو فممكن أن يكون غير الصوم.
والذي تتابعت به الأخبار عن أهل الحديث ورواة اللغة أن الصوم هو الصمت ؛ لأن الصوم إمساك والصمت إمساك عن الكلام.
وقيل : هو الصوم المعروف، وكان يلزمهم الصمت يوم الصوم إلا بالإشارة.
وعلى هذا تخرج قراءة أنس "وصمتاً" بواو، وأن الصمت كان عندهم في الصوم ملتزماً بالنذر، كما أن من نذر منا المشي إلى البيت اقتضى ذلك الإحرام بالحج أو العمرة.