والجواب عن الأول أن ذلك التجويز لازم على الكل لأن من اعترف بافتقار العالم إلى الصانع المختار فقد قطع بكونه تعالى قادراً على أن يخلق شخصاً آخر مثل زيد في خلقته وتخطيطه وإذا جوزنا ذلك فقد لزم الشك في أن زيداً المشاهد الآن هو الذي شاهدناه بالأمس أم لا، ومن أنكر الصانع المختار وأسند الحوادث إلى اتصالات الكواكب وتشكلات الفلك لزمه تجويز أن يحدث اتصال غريب في الأفلاك يقتضي حدوث شخص مثل زيد في كل الأمور وحينئذ يعود التجويز المذكور.
وعن الثاني : أنه لا يمتنع أن يكون جبريل عليه السلام له أجزاء أصلية وأجزاء فاضلة والأجزاء الأصلية قليلة جداً فحينئذ يكون متمكناً من التشبه بصورة الإنسان، هذا إذا جعلناه جسمانياً أما إذا جعلناه روحانياً فأي استبعاد في أن يتدرع تارة بالهيكل العظيم وأخرى بالهيكل الصغير.
وعن الثالث : أن أصل التجويز قائم في العقل وإنما عرف فساده بدلائل السمع وهو الجواب عن السؤال الرابع، والله أعلم.
﴿ قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (١٨) ﴾
وفيه وجوه : أحدها : أرادت أن كان يرجى منك أن تتقي الله ويحصل ذلك بالاستعاذة به فإني عائذة به منك وهذا في نهاية الحسن لأنها علمت أنه لا تؤثر الاستعاذة إلا في التقي وهو كقوله :﴿وَذَرُواْ مَا بَقِىَ مِنَ الربا إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ﴾ [ البقرة : ٢٧٨ ] أي أن شرط الإيمان يوجب هذا لا أن الله تعالى يخشى في حال دون حال.
وثانيها : أن معناه ما كنت تقياً حيث استحللت النظر إلي وخلوت بي.
وثالثها ؛ أنه كان في ذلك الزمان إنسان فاجر اسمه تقى يتبع النساء فظنت مريم عليها السلام أن ذلك الشخص المشاهد هو ذلك التقى والأول هو الوجه.


الصفحة التالية
Icon