وقرأه يعقوب بياء تحتية مفتوحة وفتح القاف وتشديد السين فيكون الضمير المستتر عائداً إلى ﴿ جِذْع النَّخْلةِ ﴾.
وجملة ﴿ فَكُلِي ﴾ وما بعدها فذلكة للجمل التي قبلها من قوله ﴿ قد جعل ربك تحتك سرياً، ﴾ أي فأنت في بحبوحة عيش.
وقرّة العين : كناية عن السرور بطريق المضادة، لقولهم : سَخِنت عينه إذا كثر بكاؤه، فالكناية بضد ذلك عن السرور كناية بأربع مراتب.
وتقدم في قوله تعالى :﴿ وقالت امرأة فرعون قرة عين لي ولك ﴾ [ القصص : ٩ ].
وقرّة العين تشمل هناء العيش وتشمل الأنس بالطفل المولود.
وفي كونه قرّة عين كناية عن ضمان سلامته ونباهة شأنه.
وفتح القاف في ﴿ وقَرّي عيناً ﴾ لأنه مضارع قررت عينه من باب رضي، أدغم فنقلت حركة عين الكلمة إلى فائها في المضارع لأن الفاء ساكنة.
﴿ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ البشر أَحَداً فقولى إِنِّى نَذَرْتُ للرحمن صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ اليوم إِنسِيّاً ﴾.
هذا من بقية ما ناداها به عيسى، وهو وحي من الله إلى مريم أجراه على لسان الطفل، تلقيناً من الله لمريم وإرشاداً لقطع المراجعة مع من يريدُ مجادلتها، فعلّمها أن تنذر صوماً يقارنه انقطاع عن الكلام، فتكون في عبادة وتستريح من سؤال السائلين ومجادلة الجهلة.
وكان الانقطاع عن الكلام من ضروب العبادة في بعض الشرائع السالفة، وقد اقتبسه العرب في الجاهلية كما دلّ عليه حديث المرأة من أحمس التي حجّت مُصمتة.
ونسخ في شريعة الإسلام بالسنة، ففي "الموطأ" أن رسول الله ﷺ رأى رجلاً قائماً في الشمس فقال : ما بال هذا؟ فقالوا : نذر أن لا يتكلم ولا يستظل من الشمس ولا يجلسَ ويصوم.
فقال رسول الله ﷺ " مروه فليتكلم وليستظل وليجلس وليُتم صيامه " وكان هذا الرجل يدعَى أبا إسرائيل.
وروي عن أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه أنه دخل على امرأة قد نذرت أن لا تتكلم، فقال لها :"إن الإسلام قد هدم هذا فتكلمي".