وقال الشيخ الشعراوى :
( فَحَملتْهُ ) أي : حملتْ به على الحذف والإيصال، والحمل يقتضي حاملاً ومحمولاً. ﴿ فانتبذت بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً ﴾ [ مريم : ٢٢ ] لا تظن أن هذه اللقطة من القصة لقطةٌ مُعَادة، فالانتباذ الأول كان للخلوة للعبادة، وهنا ﴿ فانتبذت بِهِ ﴾ [ مريم : ٢٢ ] أي : ابتعدتْ عن القوم لما أحسَّتْ بالحمل، وخشيت أعيُنَ الناس وفضولهم فخرجتْ إلى مكان بعيد.
﴿ فَأَجَآءَهَا ﴾ [ مريم : ٢٣ ] الفعل جاء فلان. أي : باختياره ورِضَاه، إنما إجاءه فلان أي جاء به رغماً عنه ودون إرادته، فكأن المخاض هو الذي ألجأها إلى جِذْع النخلة وحملها على الذهاب إلى هذا المكان رَغْماً عنها ﴿ فَأَجَآءَهَا ﴾ [ مريم : ٢٣ ] أي : جاء بها، فكأن هناك قوة خارجة عنها تشدُّها إلى هذا المكان.
والمخاض : هو الألم الذي ينتاب المرأة قبل الولادة، وليس هو الطَّلْق الذي يسبق نزول الجنين.
وقوله :﴿ فَأَجَآءَهَا المخاض إلى جِذْعِ النخلة ﴾ [ مريم : ٢٣ ] أوضح لنا عِلَّة مجيئها إلى جِذْع النخلة ؛ لأن المرأة حينما يأتي وقت ولادتها تحتاج إلى ما تستند إليه، وتتشبث به ليخفف عنها ألم الوضع، أو رفيقة لها تفزع إليها وتقاسمها هذه المعاناة، فألجأها المخاض إذن إلى جذع ( النخلة )، وجاءت النخلة مُعرَّفة لأنها نخلة معلومة معروفة.
وجذع النخلة : ساقها الذي يبدأ من الجذر إلى بداية الجريد، فهل ستتشبث مريم عند وضعها بكل هذه الساق؟ بالطبع ستأخذ الجزء القريب منها فقط، وأُطلق الجذع على سبيل المبالغة، كما في قوله تعالى :﴿ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ في آذَانِهِم مِّنَ الصواعق حَذَرَ الموت ﴾ [ البقرة : ١٩ ].
ومعلوم أن الإنسان يسدّ أذنه بأطراف الأصابع لا بأصابعه كلها، فعبَّر عن المعنى بالأصابع مبالغةً في كَتْم الصوت المزعج والصواعق التي تنزل بهم.