كما أن الحق سبحانه قادر على أنْ يُنزِل لها طعامها دون جَهْد منها ودون هَزِّها، إنما أراد سبحانه أن يجمع لها بين شيئين : طلب الأسباب والاعتماد على المسبب، والأخذ بالأسباب في هَزِّ النخلة، رغم أنها متعبة قد أرهقها الحمل والولادة، وجاء بها إلى النخلة لتستند إليها وتتشبث بها في وحدتها لنعلم أن الإنسان في سعيه مُطَالب بالأخذ بالأسباب مهما كان ضعيفاً.
لذلك أبقى لمريم اتخاذ الأسباب مع ضَعْفها وعدم قدرتها، ثم تعتمد على المسبِّب سبحانه الذي أنزل لها الرُّطَب مُسْتوياً ناضجاً، وهل استطاعت مريم أنْ تهزَّ الجذع الكبير اليابس؟
إنها مجرد إشارة إليه تدلُّ على امتثال الأمر، والله تعالى يتولى إنزال الطعام لها، وقد صَوَّر الشاعر هذا الموقف بقوله :

أَلَمْ تَرَ أنَّ الله قَالَ لمرْيَم وَهُزِّي إليك الجذْعَ يَسَّاقَط الرُّطبْ
وَإنْ شَاءَ أعطَاهَا ومِنْ غير هَزَّة ولكن كُلّ شَيءٍ لَهُ سَبَبْ
وقوله :﴿ تُسَاقِطْ ﴾ مريم : ٢٥ ] أي : تتساقط عليك ﴿ رُطَباً جَنِيّاً ﴾ [ مريم : ٢٥ ] أي : استوى واستحق أن يُجنى، وليس مُبْتسراً قبل موعده، ومن الرُّطَب ما يتساقط قبل نُضْجه فلا يكون صالحاً للأكل.
وقوله :﴿ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ ﴾ [ مريم : ٢٥ ] فيه دليل على استجابة الجماد وانفعاله، وإلا فالبلحة لم تخرج عن طَوْع أمها، إذن : فقد ألقتْها طواعيةً واستجابة حين تَمَّ نضجها.
ثم يقول الحق سبحانه :﴿ فَكُلِي واشربي وَقَرِّي ﴾


الصفحة التالية
Icon