إذَا تَمَّ شَيءٌ بَدَا نَقْصُه ترقَّبْ زَوَالاً إذَا قِيلَ تَمْ
ذلك لأن الإنسان بطبيعته ابن أغيار، لا يثبت على حال، فإذا ما وصل إلى القمة وتمتْ له النعمة، وهو ابن أغيار فلا بُدَّ أنْ يتحوَّل عنها.
وقولها : أقرَّ الله عينك، أي : أسْكَنَها بالعمى.
فقوله تعالى لمريم :﴿ وَقَرِّي عَيْناً ﴾ [ مريم : ٢٦ ] أي : كوني سعيدة باصطفاء الله لك مسرورة بما أعطاك، فما تهتمين به وتحزنين هو عَيْن النعمة التي ليستْ لأحد غيرك من نساء العالمين.
ثم يقول تعالى :﴿ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ البشر أَحَداً فقولي إِنِّي نَذَرْتُ للرحمن صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ اليوم إِنسِيّاً ﴾ [ مريم : ٢٦ ].
وهنا يتولَّى الحق سبحانه وتعالى الدفاع عن مريم وتبرير موقفها الذي لا تجد له هي مبرراً في أعراف الناس، فَمنْ يلتمس عُذْراً لامرأة تحمل وتلد دون أن يكون لها زوج؟ ومهما قالت فلن تُصدَّق ولن تسْلَم من ألسنة القوم وتجريحهم.
إذن : فجواب ما يكره السكوت، فأمرها سبحانه أنْ تلزم الصمت ولا تجادل أحداً في أمرها :﴿ فقولي إِنِّي نَذَرْتُ للرحمن صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ اليوم إِنسِيّاً ﴾ [ مريم : ٢٦ ] والصوم هنا أي : عن الكلام، كما حدث مثل هذا في قصة زكريا ؛ لأن المعجزات قريبة من بعضها، فقد أعطى الله زكريا مع عَطَب الآلات، وأعطى مريم بنقص الآلات، ولا يبرر هذه المعجزات ولا يدافع عنها إلا صانعها تبارك وتعالى.
وهذه المسألة اعترض عليها بعض الذين يحبون أنْ ينتقموا على القرآن، فقالوا : كيف يأمرها بالصوم عن الكلام، وفي نفس الوقت يأمرها أن تقول : نذرت للرحمن صوماً؟


الصفحة التالية
Icon