وقال ابن الجوزى :
قوله تعالى :﴿ واذكر في الكتاب ﴾
يعني : القرآن ﴿ مريمَ إِذ انتبذت ﴾ قال أبو عبيدة : تنحَّت واعتزلت ﴿ مكاناً شرقيّاً ﴾ مما يلي المشرق، وهو عند العرب خير من الغربيّ.
قوله تعالى :﴿ فاتّخذتْ من دونهم ﴾ يعني : أهلها ﴿ حجاباً ﴾ أي : ستراً وحاجزاً، وفيه ثلاثة أقوال.
أحدها : أنها ضربت ستراً، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني : أن الشمس أظلَّتْها، فلم يرها أحد منهم، وذلك مما سترها الله به، [ روي ] هذا المعنى عن ابن عباس أيضاً.
والثالث : أنها اتخذت حجاباً من الجدران، قاله السدي عن أشياخه.
وفي سبب انفرادها عنهم قولان.
أحدهما :[ أنها ] انفردت لتطهر من الحيض وتمتشط، قاله ابن عباس.
والثاني : لتفلّي رأسها، قاله عطاء.
قوله تعالى :﴿ فأرسلنا إِليها روحنا ﴾ وهو جبريل في قول الجمهور.
وقال ابن الأنباري : صاحب روحنا، وهو جبريل.
والرُّوح بمعنى : الرَّوْح والفرح، ثم تضم الراء لتحقيق مذهب الاسم، وإِبطال طريق المصدر، ويجوز أن يُراد بالرُّوح هاهنا : الوحي وجبريل صاحب الوحي.
وفي وقت مجيئه إِليها ثلاثة أقوال.
أحدها : وهي تغتسل.
والثاني : بعد فراغها، ولبسها الثياب.
والثالث : بعد دخولها بيتها.
وقد قيل : المراد بالروح هاهنا :[ الروح ] الذي خُلق منه عيسى، حكاه الزجاج، والماوردي، وهو مضمون كلام أُبيّ بن كعب فيما سنذكره عند قوله :﴿ فحملتْه ﴾.
قال ابن الأنباري : وفيه بُعد، لقوله :﴿ فتمثَّل لها بَشَراً سويّاً ﴾، والمعنى : تصوَّر لها في صورة البَشَر التامّ الخِلْقة.
وقال ابن عباس : جاءها في صورة شاب أبيض الوجه جعد قطط حين طرَّ شاربه.
وقرأ أبو نهيك :"فأرسلنا إِليها رَوحنا" بفتح الراء، من الرَّوْح.
قوله تعالى :﴿ قالت إِني أعوذ بالرحمن منكَ إِن كنتَ تقيّاً ﴾ المعنى : إِن كنتَ تتَّقي الله، فستنتهي بتعوُّذي منك، هذا هو القول عند المحققين.