والثالث : أنه رجل صالح كان في بني إِسرائيل، فشبَّهوها به في الصلاح، وهذا مروي عن ابن عباس أيضاً، وقتادة، ويدل عليه ما روى المغيرة بن شعبة قال :" بعثني رسول الله ﷺ إِلى أهل نجران، فقالوا : ألستم تقرؤون :"يا أخت هارون" وقد علمتم ما كان بين موسى وعيسى؟ فلم أدرِ ما أُجيبهم، فرجعت إِلى رسول الله ﷺ فأخبرتُه، فقال :"ألا أخبرتَهم أنهم كانوا يسمُّون بأنبيائهم والصالحين قبلَهم" ".
والرابع : أن قوم هارون كان فيهم فُسَّاق وزُنَاةٌ، فنسبوها إِليهم، قاله سعيد بن جبير.
والخامس : أنه رجل من فُسَّاق بني إِسرائيل شبَّهوها به، قاله وهب بن منبِّه.
فعلى هذا يخرج في معنى "الأخت" قولان.
أحدهما : أنها الأخت حقيقة.
والثاني : المشابهة، لا المناسبة، كقوله تعالى :﴿ وما نريهم من آية إِلا هي أكبر من أختها ﴾ [ الزخرف : ٤٨ ].
قوله تعالى :﴿ ما كان أبوكِ ﴾ يعنون : عِمران ﴿ امرأَ سَوْءٍ ﴾ أي : زانياً ﴿ وما كانت أُمُّكِ ﴾ حنَّة ﴿ بَغِيّاً ﴾ أي : زانية، فمن أين لكِ هذا الولد؟!
قوله تعالى :﴿ فأشارت ﴾ أي : أومأت ﴿ إِليه ﴾ أي : إِلى عيسى فتكلَّم.
وقيل المعنى : أشارت إِليه أنْ كلِّموه.
وكان عيسى قد كلَّمها حين أتت قومها، وقال : يا أُماه أبشري فإني عبد الله ومسيحه، فلما أشارت أن كلِّموه، تعجَّبوا من ذلك، و ﴿ قالوا كيف نكلِّم من كان ﴾ وفيها أربعة أقوال.
أحدها : أنها زائدة، فالمعنى كيف نكلِّم صبياً في المهد؟!.
والثاني : أنها في معنى : وقع، وحدث.
والثالث : أنها في معنى الشرط والجزاء، فالمعنى : من يكن في المهد صبياً، فكيف نكلِّمه؟! حكاها الزجاج، واختار الأخير منها ؛ قال ابن الأنباري : وهذا كما تقول : كيف أعظ من كان لا يقبل موعظتي؟! أي : من يكن لا يقبل، والماضي يكون بمعنى المستقبل في الجزاء.
والرابع : أن "كان" بمعنى : صار، قاله قطرب.


الصفحة التالية
Icon