وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ ﴾
روي أن مريم لما اطمأنت بما رأت من الآيات، وعلمت أن الله تعالى سيبين عذرها، أتت به تحمله من المكان القصي الذي كانت انتبذت فيه.
قال ابن عباس : خرجت من عندهم حين أشرقت الشمس، فجاءتهم عند الظهر ومعها صبي تحمله، فكان الحمل والولادة في ثلاث ساعات من النهار.
وقال الكلبي : ولدت حيث لم يشعر بها قومها، ومكثت أربعين يوماً للنفاس، ثم أتت قومها تحمله، فلما رأوها ومعها الصبي حزنوا وكانوا أهل بيت صالحين ؛ فقالوا منكِرين :﴿ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً ﴾ أي جئت بأمر عظيم كالآتي بالشي يفتريه.
قال مجاهد :"فريا" عظيماً.
وقال سعيد بن مسعدة : أي مختلقاً مفتعلاً ؛ يقال : فريت وأفريت بمعنى واحد.
والولد من الزنى كالشيء المفترى.
قال الله تعالى :﴿ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهُتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ ﴾ [ الممتحنة : ١٢ ] أي بولد يقصد إلحاقه بالزوج وليس منه.
يقال : فلان يفرِي الفرِيّ أي يعمل العمل البالغ، وقال أبو عبيدة : الفريّ العجيب النادر ؛ وقاله الأخفش.
قال : فرياً عجيباً.
والفَرْي القطع كأنه مما يخرق العادة، أو يقطع القول بكونه عجيباً نادراً.
وقال قطرب : الفري الجديد من الأسقية ؛ أي جئت بأمر جديد بديع لم تسبقي إليه.
وقرأ أبو حيوة :"شَيْئاً فَرْياً" بسكون الراء.
وقال السدي ووهب بن منبه : لما أتت به قومها تحمله تسامع بذلك بنو إسرائيل، فاجتمع رجالهم ونساؤهم، فمدّت امرأة يدها إليها لتضربها فأجف الله شطرها فحمُلت كذلك.
وقال آخر : ما أراها إلا زنت فأخرسه الله تعالى ؛ فتحامى الناس من أن يضربوها، أو يقولوا لها كلمة تؤذيها، وجعلوا يخفضون إليها القول ويلينون ؛ فقالوا :"يا مريم لقد جئت شيئاً فرياً" أي عظيماً ؛ قال الراجز :
قد أَطعَمتْنِي دَقَلاً حَوْلِيَّا...
مُسوِّساً مُدَوِّداً حَجْرِيَّا