وقال أبو السعود :
﴿ فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا ﴾
أي جاءتهم مع ولدها راجعة إليهم عندما طهرت من نفاسها ﴿ تَحْمِلُهُ ﴾ أي حاملةً له ﴿ قَالُواْ ﴾ مؤنبين لها ﴿ يا مريم لَقَدْ جِئْتَ ﴾ أي فعلت ﴿ شَيْئاً فَرِيّاً ﴾ أي عظيماً بديعاً منكراً من فرَى الجلدَ أي قطعه، أو جئتِ مجيئاً عجيباً عبر عنه بالشيء تحقيقاً للاستغراب.
﴿ ياأخت هارون ﴾ استئنافٌ لتجديد التعييرِ وتأكيدِ التوبيخ عنَوا به هارونَ النبيَّ عليه السلام، وكانت مِن أعقاب مَن كان معه في طبقة الأخوة، وقيل : كانت من نسله وكان بينهما ألف سنة، وقيل : هو رجلٌ صالح أو طالح كان في زمانهم شبّهوها به، أي كنت عندنا مثله في الصلاح أو شتموها به ﴿ مَا كَانَ أَبُوكِ امرأ سَوْء وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً ﴾ تقريرٌ لكون ما جاءت به فِرّياً منكراً وتنبيهٌ على أن ارتكابَ الفواحش من أولاد الصالحين أفحشُ.
﴿ فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ ﴾ أي إلى عيسى عليه السلام أنْ كلّموه، والظاهر أنها حينئذ بينت نذرَها وأنها بمعزل من محاورة الإنس حسبما أُمرت، ففيه دَلالةٌ على أن المأمورَ به بيانُ نذرها بالإشارة لا بالعبارة، والجمعُ بينهما مما لا عهدَ به ﴿ قَالُواْ ﴾ منكرين لجوابها ﴿ كَيْفَ نُكَلّمُ مَن كَانَ فِى المهد صَبِيّاً ﴾ ولم نعهَد فيما سلف صبياً يكلمه عاقل، وقيل :( كان ) لإيقاع مضمونِ الجملة في زمان ماضٍ مبهمٍ صالحٍ لقريبه وبعيده، وهو هاهنا لقريبه خاصة بدليل أنه مَسوقٌ للتعجب، وقيل : هي زائدة والظرفُ صلة مَنْ وصبياً حال من المستكنّ فيه أو هي تامة أو دائمة كما في قوله تعالى :﴿ وَكَانَ الله عَلِيماً حَكِيماً ﴾. أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ٥ صـ ﴾