وقوله :﴿ مَا كَانَ أَبُوكِ امرأ سَوْءٍ ﴾ [ مريم : ٢٨ ] الرجل السوء هو الذي إنْ صحبْتَه أصابك منه سوء، ونالك بالأذى ﴿ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً ﴾ [ مريم : ٢٨ ] قلنا : إن البَغيَّ : هي المرأة التي تبغي الرجال وتدعوهم إليها، فالمراد : من أين لك هذه الصفة، وأنت من أسرة خَيِّرة صالحة؟
وفي هذا دليل على أن نَضْج الأُسَرِ يؤثر في الأبناء، فحين نُكوِّن الأسرة المؤمنة والبيت الملتزم بشرع الله، وحين نحتضن الأبناء ونحوطهم بالعناية والرعاية، فسوف نستقبل جيلاً مؤمناً واعياً نافعاً لنفسه ولمجتمعه.
إذن : فقولهم :﴿ مَا كَانَ أَبُوكِ امرأ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً ﴾ [ مريم : ٢٨ ] اتهام صريح لمريم، وتأكيد على أنها وقعتْ في محظور وكأنهم مصرون على رَمْيها بالفاحشة.
ثم يقول الحق سبحانه :﴿ فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُواْ ﴾
أي : حين قال القوم ما قالوا أشارتْ إلى الوليد وهي واثقة أنه سيتكلم، مطمئنة إلى أنها لا تحمل دليل الجريمة، بل دليل البراءة.
فلما أشارتْ إليه تقول لقومها : اسألوه، تعجَّبُوا :﴿ قَالُواْ كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي المهد صَبِيّاً ﴾ [ مريم : ٢٩ ] ونلاحظ في قولهم أنهم لم يستبعدوا أنْ يتكلّمَ الوليد، فلم يقولوا : كيف يتكلم مَنْ كان في المهد صبياً؟ بل قالوا :﴿ كَيْفَ نُكَلِّمُ ﴾ [ مريم : ٢٩ ] أي : نحن، فاستبعدوا أنْ يكلموه، فكأنهم يطعنون في أنفسهم وفي قدرتهم على فَهْم الوليد إنْ كلَّمهم.
والمهد : هو المكان الممهد المعَدّ لنوم الطفل، لأن الوليد لا يقدر أن يبعد الأذى عن نفسه، فالكبير مثلاً يستطيع أنْ يُمهد لنفسه مكان نومه، وأن يُخرِج منه ما يُؤرِّق نومه وراحته، وعنده وَعْي، فإذا آلمه شيء في نومه يستطيع أنْ يتحلَّل من الحالة التي هو عليها، وينظر ماذا يؤلمه. أ هـ ﴿تفسير الشعراوى صـ ﴾