وأخرج ابن عساكر من طريق داود بن أبي هند، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال : لما بلغت مريم، فإذا هي في بيتها منفصلة، إذ دخل عليها رجل بغير إذن، فخشيت أن يكون دخل عليها ليغتالها فقالت :﴿ إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً ﴾ قال :﴿ إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكياً ﴾ قالت :﴿ أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغياً ﴾ قال :﴿ كذلك قال ربك ﴾ فجعل جبريل يردد ذلك عليها وتقول :﴿ أنى يكون لي غلام ﴾ وتغفلها جبريل، فنفخ في جيب درعها، ونهض عنها، واستمر بها حملها، فقالت : إن خرجت نحو المغرب، فالقوم يصلون نحو المغرب، ولكن أخرج نحو المشرق، حيث لا يراني أحد، فخرجت نحو المشرق، فبينما هي تمشي، إذ جاءها المخاض، فنظرت هل تجد شيئاً تستتر به؟ فلم تر إلا جذع النخلة، فقال : أستتر بهذا الجذع من الناس. وكان تحت الجذع نهر يجري، فانضمت إلى النخلة، فلما وضعته، خر كل شيء يعبد من دون الله في مشارق الأرض ومغاربها ساجداً لوجهه. وفزع إبليس، فخرج فصعد فلم ير شيئاً ينكره، وأتى المشرق فلم ير شيئاً ينكره، وجعل لا يصبر فأتى المغرب لينظر، فلم ير شيئاً ينكره. فبينا هو يطوف إذ مر بالنخلة، فإذا هو بامرأة معها غلام قد ولدته، وإذا بالملائكة قد أحدقوا بهَا، وبابنها وبالنخلة فقال : ههنا حدث الأمر، فمال إليهم فقال : أي شيء هذا الذي حدث؟ فكلمته الملائكة فقالوا : نبي ولد بغير ذكر. قال : أما والله لأضِلَّنَ به أكثر العالمين. أضل اليهود فكفروا به، وأضل النصارى فقالوا : هو ابن الله. قال : وناداها ملك من تحتها ﴿ قد جعل ربك تحتك سرياً ﴾ قال إبليس : ما حملت أنثى إلا بعلمي، ولا وضعته إلا على كفي، ليس هذا الغلام! لم أعلم به حين حملته أمه، ولم أعلم به حين وضعته.


الصفحة التالية
Icon