قال جبريل :﴿ كذلك ﴾ يعني هكذا ﴿ قال ربك هو على هين ﴾ يعني خلقه من غير بشر. ﴿ ولنجعله آية للناس ﴾ يعني عبرة، والناس هنا للمؤمنين خاصة، ورحمة لمن صدق بأنه رسول الله. ﴿ وكان أمراً مقضياً ﴾ يعني كائناً أن يكون من غير بشر. فدنا جبريل فنفخ في جيبها، فدخلت النفخة جوفها، فاحتملت كما تحمل النساء في الرحم والمشيمة، ووضعته كما تضع النساء، فأصابها العطش، فأجرى الله لها جدولاً من الأردن، فذلك قوله :﴿ قد جعل ربك من تحتك سرياً ﴾ والسري، الجدول. وحمل الجذع من ساعته ﴿ رطباً جنياً ﴾ فناداها من تحتها جبريل ﴿ هزي إليك بجذع النخلة ﴾ لم يكن على رأسها سقف، وكانت قد يبست منذ دهر طويل، فأحياها الله لها وحملت، فذلك قوله :﴿ تساقط عليك رطباً جنياً ﴾ يعني طرياً بغباره ﴿ فكلي ﴾ من الرطب ﴿ واشربي ﴾ من الجدول ﴿ وقري عيناً ﴾ بولدك. فقال : فكيف بي إذا سألوني من أين هذا؟.. قال لها جبريل :﴿ فإما ترين ﴾ يعني فإذا رأيت ﴿ من البشر أحداً ﴾ فأعنتك في أمرك ﴿ فقولي إني نذرت للرحمن صوماً ﴾ يعني صمتاً في أمر عيسى ﴿ فلن أكلم اليوم إنسياً ﴾ في أمره. حتى يكون هو الذي يعبر عني وعن نفسه. قال : ففقدوا مريم من محرابها، فسألوا يوسف، فقال : لا علم لي بها، وأن مفتاح محرابها مع زكريا. فطلبوا زكريا وفتحوا الباب وليست فيه، فاتهموه فأخذوه ووبخوه، فقال رجل : إني رأيتها في موضع كذا، فخرجوا في طلبها، فسمعوا صوت عقيق في رأس الجذع الذي مريم من تحته، فانطلقوا إليه فذلك قول الله :﴿ فأتت به قومها تحمله ﴾ قال ابن عباس : لما رأت بأن قومها قد أقبلوا إليها، احتملت الولد إليهم حتى تلقتهم به، فذلك قوله :﴿ فأتت به قومها تحمله ﴾ أي لا تخاف ريبة ولا تهمة، فلما نظروا إليها شق أبوها مدرعته، وجعل التراب على رأسه، وإخوتها وآل زكريا ﴿ فقالوا يا مريم لقد جئت شيئاً فرياً ﴾ يعني عظيماً { يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما