ثم قال اثنان منهم للثالث : قل فيه، قال : هو ابن الله وهم النّسطورية، فقال الاثنان كذبت، ثم قال أحد الاثنين للآخر قل فيه، فقال : هو ثالث ثلاثة، الله إله وهو إله، وأمه إله، وهم الإسرائيلية ملوك النصارى.
قال الرابع : كذبت بل هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته وهم المسلمون، فكان لكل رجل منهم أتباع على ما قال فاقتتلوا فظُهِر على المسلمين، فذلك قول الله تعالى :﴿ وَيَقْتُلُونَ الذين يَأْمُرُونَ بالقسط مِنَ الناس ﴾ [ آل عمران : ٢١ ].
وقال قتادة : وهم الذين قال الله تعالى فيهم :﴿ فاختلف الأحزاب مِن بَيْنِهِمْ ﴾ اختلفوا فيه فصاروا أحزاباً فهذا معنى قوله :"الذي فيه تمترون" بالتاء المعجمة من فوق وهي قراءة أبي عبد الرحمن السُّلَمي وغيره.
قال ابن عباس : فمر بمريم ابن عمها ومعها ابنها إلى مصر فكانوا فيها اثنتي عشرة سنة حتى مات الملك الذي كانوا يخافونه ؛ ذكره الماوردي.
قلت : ووقع في تاريخ مصر فيما رأيت وجاء في الإنجيل ؛ الظاهر أن السيد المسيح لما ولد في بيت لحم كان هيرودس في ذلك الوقت ملكاً، وأن الله تعالى أوحى إلى يوسف النجار في الحلم وقال له : قم فخذ الصبي وأمه واذهب إلى مصر وكن هناك حتى أقول لك، فإن هيرودس مزمع أن يطلب عيسى ليهلكه، فقام من نومه : وامتثل أمر ربه، وأخذ السيد المسيح ومريم أمه وجاء إلى مصر، وفي حال مجيئه إلى مصر نزل ببئر البَلَسان التي بظاهر القاهرة، وغسلت ثيابه على ذلك البئر، فالبَلَسان لا يطلع ولا ينبت إلا في تلك الأرض، ومنه يخرج الدهن الذي يخالط الزيت الذي تعمّد به النصارى، ولذلك كانت قارورة واحدة في أيام المصريين لها مقدار عظيم، وتقع في نفوس ملوك النصارى مثل ملك القسطنطينية وملك صقلية وملك الحبشة وملك النوبة وملك الفرنجة وغيرهم من الملوك عندما يهاديهم به ملوك مصر موقعاً جليلاً جداً، وتكون أحبّ إليهم من كل هدية لها قدر.


الصفحة التالية
Icon