فصل
قال الفخر :
﴿ ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (٣٤) ﴾
وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
قرأ عاصم وابن عامر :﴿قَوْلَ الحق﴾ بالنصب وعن ابن مسعود :﴿قَالَ الحق﴾ و ﴿قَالَ الله﴾ وعن الحسن :﴿قَوْلَ الحق﴾ بضم القاف وكذلك في الأنعام قوله :﴿الحق﴾ والقول والقال القول في معنى واحد كالرهب والرهب والرهب، أما ارتفاعه فعلى أنه خبر بعد خبر أو خبر مبتدأ محذوف، وأما انتصابه فعلى المدح إن فسر بكلمة الله أو على أنه مصدر مؤكد لمضمون الجملة كقولك هو عند الله الحق لا الباطل، والله أعلم.
المسألة الثانية :
لا شبهة أن المراد بقوله :﴿ذلك عِيسَى ابن مَرْيَمَ﴾ الإشارة إلى ما تقدم وهو قوله :﴿إِنّى عَبْدُ الله ءاتَانِىَ الكتاب﴾ [ مريم : ٣٠ ] أي ذلك الموصوف بهذه الصفات هو عيسى ابن مريم وفي قوله :﴿عِيسَى ابن مَرْيَمَ﴾ إشارة إلى أنه ولد هذه المرأة وابنها لا أنه ابن الله.
فأما قوله ﴿الحق﴾ ففيه وجوه : أحدها : وهو أن نفس عيسى عليه السلام هو قول الحق وذلك لأن الحق هو اسم الله فلا فرق بين أن نقول عيسى كلمة الله وبين أن نقول عيسى قول الحق.
وثانيها : أن يكون المراد :"ذلك عيسى ابن مريم القول الحق" إلا أنك أضفت الموصوف إلى الصفة فهو كقوله :﴿إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ اليقين﴾ [ الواقعة : ٩٥ ] وفائدة قولك : القول الحق تأكيد ما ذكرت أولاً من كون عيسى عليه السلام ابناً لمريم.
وثالثها : أن يكون ﴿قَوْلَ الحق﴾ خبراً لمبتدأ محذوف كأنه قيل ذلك عيسى ابن مريم ووصفنا له هو قول الحق فكأنه تعالى وصفه أولاً ثم ذكر أن هذا الموصوف هو عيسى ابن مريم ثم ذكر أن هذا الوصف أجمع هو قول الحق على معنى أنه ثابت لا يجوز أن يبطل كما بطل ما يقع منهم من المرية ويكون في معنى إن هذا لهو الحق اليقين.