وثالثها : لا يغني عنك شيئاً كأنه قال له : بل الإلهية ليست إلا لربي فإنه يسمع ويجيب دعوة الداعي ويبصر، كما قال :﴿إِنَّنِى مَعَكُمَا أَسْمَعُ وأرى﴾ [ طه : ٤٦ ] ويقضي الحوائج :﴿أَمَّن يُجِيبُ المضطر إِذَا دَعَاهُ﴾ [ النمل : ٦٢ ] واعلم أن قوله ههنا ﴿لِمَ تَعْبُدُ﴾ محمول على نفس العبادة وأما قوله في المقام الثالث :﴿لاَ تَعْبُدِ الشيطان﴾ لا يقال ذلك بل المراد الطاعة لأنهم ما كانوا يعبدون الشيطان فوجب حمله على الطاعة ولأنا نقول ليس إذا تركنا الظاهر ههنا لدليل وجب ترك الظاهر في المقام الأول بغير دليل فإن قيل : إما أن يقال إن أبا إبراهيم كان يعتقد في تلك الأوثان أنها آلهة بمعنى أنها قادرة مختارة موجدة للناس والحيوانات أو يقال إنه ما كان يعتقد ذلك بل كان يعتقد أنها تماثيل الكواكب والكواكب هي الآلهة المدبرة لهذا العالم، فتعظيم تماثيل الكواكب بموجب تعظيم الكواكب أو كان يعتقد أن هذه الأوثان تماثيل أشخاص معظمة عند الله تعالى من البشر فتعظيمها يقتضي كون أولئك الأشخاص شفعاء لهم عند الله تعالى أو كان يعتقد أن تلك الأوثان طلسمات ركبت بحسب اتصالات مخصوصة للكواكب قلما يتفق مثلها، وأنها مشفع بها، أو غير ذلك من الأعذار المنقولة عن عبدة الأوثان، فإن كان أبو إبراهيم من القسم الأول كان في نهاية الجنون لأن العلم بأن هذا الخشب المنحوت في هذه الساعة ليس خالقاً للسموات والأرض من أجلى العلوم الضرورية، فالشاك فيه يكون فاقداً لأجلى العلوم الضرورية فكان مجنوناً والمجنون لا يجوز إيراد الحجة عليه والمناظرة معه، وإن كان من القسم الثاني فهذه الدلائل لا تقدح في شيء من ذلك لأن ذلك المذهب إنما يبطل بإقامة الدلالة على أن الكواكب ليست أحياء ولا قادرة على خلق الأجسام وخلق الحياة ومعلوم أن الدليل المذكور ههنا لا يفيد ذلك المطلوب فعلمنا أن هذه الدلالة عديمة الفائدة على كل التقديرات، قلنا : لا نزاع أنه لا