فصل
قال الفخر :
﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (٥١) ﴾
( القصة الرابعة قصة موسى عليه السلام )
اعلم أنه تعالى وصف موسى عليه السلام بأمور : أحدها : أنه كان مخلصاً فإذا قرىء بفتح اللام فهو من الاصطفاء والاختباء كأن الله تعالى اصطفاه واستخلصه وإذا قرىء بالكسر فمعناه أخلص لله في التوحيد في العبادة والإخلاص هو القصد في العبادة إلى أن يعبد المعبود بها وحده، ومتى ورد القرآن بقراءتين فكل واحدة منهما ثابت مقطوع به، فجعل الله تعالى من صفة موسى عليه السلام كلا الأمرين.
وثانيها : كونه رسولاً نبياً ولا شك أنهما وصفان مختلفان لكن المعتزلة زعموا كونهما متلازمين فكل رسول نبي وكل نبي رسول ومن الناس من أنكر ذلك وقد بينا الكلام فيه في سورة الحج في قوله تعالى :﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِىّ﴾ [ الحج : ٥٢ ].
وثالثها : قوله تعالى :﴿وناديناه مِن جَانِبِ الطور الأيمن﴾ من اليمين أي من ناحية اليمين والأيمن صفة الطور أو الجانب.
ورابعها : قوله :﴿وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً﴾ ولما ذكر كونه رسولاً قال :﴿وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً﴾ وفي قوله :﴿قربناه﴾ قولان : أحدهما : المراد قرب المكان عن أبي العالية قربه حتى سمع صرير القلم حيث كتبت التوراة في الألواح.
والثاني : قرب المنزلة أي رفعنا قدره وشرفناه بالمناجاة، قال القاضي : وهذا أقرب لأن استعمال القرب في الله قد صار بالتعارف لا يراد به إلا المنزلة وعلى هذا الوجه يقال في العبادة تقرب، ويقال في الملائكة عليهم السلام إنهم مقربون وأما ﴿وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً﴾ فقيل فيه أنجيناه من أعدائه وقيل هو من المناجاة في المخاطبة وهو أولى.