"والجواب" : أن رضوان الله تعالى أعظم من الثواب على ما قال :﴿ورضوان مّنَ الله أَكْبَرُ ذلك هُوَ الفوز العظيم﴾ [ التوبة : ٧٢ ] فوجب أن تكون ولاية الشيطان التي هي في مقابلة رضوان الله أكبر من العذاب نفسه وأعظم.
واعلم أن إبراهيم عليه السلام رتب هذا الكلام في غاية الحسن لأنه نبه أولاً على ما يدل على المنع من عبادة الأوثان ثم أمره باتباعه في النظر والاستدلال وترك التقليد ثم نبه على أن طاعة الشيطان غير جائزة في العقول ثم ختم الكلام بالوعيد الزاجر عن الإقدام على ما لا ينبغي ثم إنه عليه السلام أورد هذا الكلام الحسن مقروناً باللطف والرفق فإن قوله في مقدمة كل كلام ﴿يا أبت﴾ دليل على شدة الحب والرغبة في صونه عن العقاب وإرشاده إلى الصواب، وختم الكلام بقوله ﴿إِنّى أَخَافُ﴾ وذلك يدل على شدة تعلق قلبه بمصالحه وإنما فعل ذلك لوجوه : أحدها : قضاء لحق الأبوة على ما قال تعالى :﴿وبالوالدين إحسانا﴾ [ الإسراء : ٢٣ ] والإرشاد إلى الدين من أعظم أنواع الإحسان، فإذا انضاف إليه رعاية الأدب والرفق كان ذلك نوراً على نور.
وثانيها : أن الهادي إلى الحق لا بد وأن يكون رفيقاً لطيفاً يورد الكلام لا على سبيل العنف لأن إيراده على سبيل العنف يصير كالسبب في إعراض المستمع فيكون ذلك في الحقيقة سعياً في الإغواء.
وثالثها : ما روى أبو هريرة أنه قال عليه السلام :" أوحى الله إلى إبراهيم عليه السلام أنك خليلي فحسن خلقك ولو مع الكفار تدخل مداخل الأبرار فإن كلمتي سبقت لمن حسن خلقه أن أظله تحت عرشي وأن أسكنه حظيرة قدسي وأدنيه من جواري " والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٢١ صـ ١٩٠ ـ ١٩٤﴾