ولما ذكر ما حباهم به، ذكر ما تسبب عن ذلك فقال مستأنفاً ﴿إذا تتلى عليهم ءايات الرحمن﴾ العام النعمة، فكيف بهم إذا أعلاهم جلال أو خصتهم رحمة من جلائل النعم، من فيض الجود والكرم، فسمعوا خصوص هذا القرآن ﴿خروا سجداً﴾ للمنعم عليهم تقرباً إليه، لما لهم من البصائر المنيرة في ذكر نعمه عليهم وإحسانه إليهم ﴿وبكياً﴾ خوفاً منه وشوقاً إليه، فوصفهم بسرعة الخشوع من ذكر الله الناشىء عن دوام الخضوع والناشىء عنه الإسراع بالسجود في حالة البكاء، وجعلهما حالتين بالعطف بالواو لعراقة المتحلي بهما في كل منهما عل انفراده، وعبر بالاسم في كل من السجود والبكاء، إشارة إلى أن خوفهم دائم كما أن خضوعهم دائم لعظمة الكبير الجليل، لأن تلك الحضرة لا تغيب عنهم أصلاً، وإن حصل غير البكاء فللتأنيس لمن أرسلوا إليه ليوصلوه إلى قريب من رتبتهم بحسن عشرتهم على تفاوت المراتب، وتباين المطالب، وحذف ذكر الأذقان لدلالتها - كما تقدم في سبحان - على نوع دهشة، فهي - وإن أعلت صاحبها عمن لم يبلغها - حالة دون مقام الراسخين في حضرة الجلال، لأنهم - مع كونهم في الذروة من مقام الخوف - في أعلى درجات الكمال من حضور الفكر وانشراح الصدر - لتلقي واردات الحق وإلقائها إلى الخلق، انظر إلى ثبات الصديق ـ رضى الله عنهم ـ - لعلو مقامه عن غيره - عند وفاة النبي ـ ﷺ ـ مع أنه أوفاهم من المحبة مشرباً، وأصفاهم مورداً، وأوفرهم حزناً، وأكثرهم غماً وهماً، حتى أنه اعتراه لذلك مرض السل حتى مات به وجداً وأسفاً ومن هنا تعلم السر في إرسال النبي ـ ﷺ ـ الأنبجانية التي ألهت في الصلاة بأعلامها في الصلاة إلى أبي جهم لأنه ـ رضى الله عنهم ـ ربما كان من أهل الجمع في الصلاة فلا يرى غيره سبحانه فناء عن كل فان بخلاف النبي فإنه لكماله متمكن في كل من مقامي الجمع والفرق في كل حالة ولهذا يرى من خلفه في الصلاة ولا يخفى عليه خشوعهم. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٤ صـ ٥٤١ ـ ٥٤٥﴾