وثانيها : قوله :﴿لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلاَّ سلاما﴾ [ مريم : ٦٢ ] واللغو من الكلام ما سبيله أن يلغي ويطرح وهو المنكر من القول ونظيره قوله :﴿لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لاغية﴾ [ الغاشية : ١١ ] وفيه تنبيه ظاهر على وجوب تجنب اللغو حيث نزه الله تعالى عنه الدار التي لا تكليف فيها وما أحسن قوله :﴿وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّواْ كِراماً﴾ [ الفرقان : ٧٢ ]، ﴿وَإِذَا سَمِعُواْ اللغو أَعْرَضُواْ عَنْهُ وَقَالُواْ لَنَا أعمالنا وَلَكُمْ أعمالكم سلام عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِى الجاهلين﴾ [ القصص : ٥٥ ] أما قوله :﴿إِلاَّ سلاما﴾ ففيه بحثان :
البحث الأول : أن فيه إشكالاً وهو أن السلام ليس من جنس اللغو فكيف استثنى السلام من اللغو والجواب عنه من وجوه : أحدها : أن معنى السلام هو الدعاء بالسلامة وأهل الجنة لا حاجة بهم إلى هذا الدعاء فكان ظاهره من باب اللغو وفضول الحديث لولا ما فيه من فائدة الإكرام.
وثانيها : أن يحمل ذلك على الاستثناء المنقطع.
وثالثها : أن يكون هذا من جنس قول الشاعر :
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم.. بهن فلول من قراع الكتائب
البحث الثاني : أن ذلك السلام يحتمل أن يكون من سلام بعضهم على بعض أو من تسليم الملائكة أو من تسليم الله تعالى على ما قال تعالى :﴿والملائكة يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مّن كُلّ بَابٍ * سلام عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عقبى الدار ﴾
[ الرعد : ٢٣، ٢٤ ] وقوله :﴿سَلاَمٌ قَوْلاً مّن رَّبّ رَّحِيمٍ﴾ [ يس : ٥٨ ].
ورابعها : قوله تعالى :﴿وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً﴾ وفيه سؤالان : السؤال الأول : أن المقصود من هذه الآيات وصف الجنة بأحوال مستعظمة ووصول الرزق إليهم بكرة وعشياً ليس من الأمور المستعظمة.


الصفحة التالية
Icon