﴿ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عمياً وبكماً وصماً﴾ [ الإسراء : ٩٧ ] مع قوله ﴿أسمع بهم وأبصر﴾ وجزاء من كان هذا ديدنه في الدنيا والآخرة معروف لكل من له أدنى بصيرة أنه العار ثم النار، وأيضاً فإن من ضل أخطأ طريق الفلاح من الجنة وغيرها فخاب، ومن خاب فقد هلك ؛ قال أبو علي الجبائي : والغي هو الخيبة في اللغة - انتهى.
ويجوز أن يراد بالغي الهلاك، إما من قولهم - أغوية - وزن أثفية - أي مهلكة، وإما من تسمية الشيء باسم ما يلزمه.
ولما أخبر تعالى عنهم بالخيبة، فتح لهم باب التوبة، وحداهم إلى غسل هذه الحوبة، بقوله :﴿إلا من تاب﴾ أي مما هو عليه من الضلال، بإيثار سفساف الأعمال، على أوصاف الكمال، فحافظ على الصلاة، وكف نفسه عن الشهوات ﴿وءامن﴾ بما أخذ عليه به العهد ﴿وعمل﴾ بعد إيمانه تصديقاً له ﴿صالحاً﴾ من الصلوات والزكاة وغيرها، ولم يؤكدهما لما أفهمته التوبة من إظهار عمل الصلاة التي هي أم العبادات ﴿فأولئك﴾ العالو الهمم، الطاهرو الشيم ﴿يدخلون الجنة﴾ التي وعد المتقون ﴿ولا يظلمون﴾ من ظالم ما ﴿شيئاً﴾ من أعمالهم ؛ ثم بينها بقوله :﴿جنات عدن﴾ أي إقامة لا ظعن عنها بوجه من الوجوه ﴿التي وعد الرحمن﴾ الشامل النعم ﴿عباده﴾ الذين هو أرحم بهم من الوالدة بولدها ؛ وعبر عنهم بوصف العبودية للإشعار بالتحنن، وعداً كائناً ﴿بالغيب﴾ الذي لا اطلاع لهم عليه أصلاً إلا من قبلنا، فآمنوا به فاستحقوا ذلك بفضله سبحانه على إيمانهم بالغيب.
ولما كان من شأن الوعود الغائبة - على ما يتعارفه الناس بينهم - احتمال عدم الوقوع، بين أن وعده ليس كذلك بقوله :﴿إنه كان﴾ أي كوناً هو سنة ماضية ﴿وعده مأتيّاً﴾ أي مقصوداً بالفعل، فلا بد من وقوعه، فهو كقوله تعالى ﴿إن كان وعد ربنا لمفعولاً﴾ [ الإسراء : ١٠٨ ].