قال بعض العلماء : لو اجتمع كل الخلائق على إيراد حجة في البعث على هذا الاختصار لما قدروا عليها إذ لا شك أن الإعادة ثانياً أهون من الإيجاد أولاً، ونظيره قوله :﴿قُلْ يُحْيِيهَا الذى أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ [ يس : ٧٩ ] وقوله :﴿وَهُوَ الذى يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ [ الروم : ٢٧ ] واحتج أصحابنا بهذه الآية على أن المعدوم ليس بشيء وهو ضعيف لأن الإنسان عبارة عن مجموع جواهر متألفة قامت بها أعراض وهذا المجموع ما كان شيئاً، ولكن لم قلت إن كل واحد من تلك الأجزاء ما كان شيئاً قبل كونه موجوداً ؟ فإن قيل : كيف أمر تعالى الإنسان بالذكر مع أن الذكر هو العلم بما قد علمه من قبل ثم تخللهما سهو ؟ قلنا : المراد أو لا يتفكر فيعلم خصوصاً إذا قرىء أو لا يذكر الإنسان بالتشديد أما إذا قرىء أو لا يذكر بالتخفيف فالمراد أو لا يعلم ذلك من حال نفسه لأن كل أحد يعلم أنه لم يكن حياً في الدنيا ثم صار حياً، ثم إنه سبحانه لما قرر المطلوب بالدليل أردفه بالتهديد من وجوه.
أحدها : قوله :﴿فَوَرَبّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ والشياطين﴾ وفائدة القسم أمران : أحدهما : أن العادة جارية بتأكيد الخبر باليمين.
والثاني : أن في إقسام الله تعالى باسمه مضافاً إلى اسم رسوله ﷺ تفخيم لشأنه ﷺ ورفع منه كما رفع من شأن السماء والأرض في قوله :﴿فَوَرَبّ السماء والأرض إِنَّهُ لَحَقٌّ﴾ [ الذاريات : ٢٣ ] والواو في ﴿الشياطين﴾ ويجوز أن تكون للعطف وأن تكون بمعنى مع وهي بمعنى مع أوقع، والمعنى أنهم يحشرون مع قرنائهم من الشياطين الذين أغووهم يقرن كل كافر مع شيطان في سلسلة.