" لا يدخل الجنة أحد في قلبه مثقال حبة من كبر، فقال رجل : إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسنة، فقال : إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط - " وفي رواية :" وغمص - الناس " وكلاهما بمعنى الاحتقار، ومن كان هذا سبيله مرن على ذلك ومرد عليه، فكان جديراً بأن يركبه الله أبطل الباطل : الكفر عند الموت، فتحرم عليه الجنة، فإن من يرتع حول الحمى يوشك أن يواقعه ﴿سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق﴾ [ الأعراف : ٤٩ ] فيا ذل من تكبر على الحق! ويا عز من تشرف بالذل للحق والعز على الباطل! ولعمري لقد أجرى الله عادته - ولن تجد لسنة الله تحويلاً أن من تعود الجراءة بالباطل كان ذليلاً في الحق، وإليه يشير قوله تعالى في وصف أحبابه ﴿أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين﴾ [ المائدة : ٥٤ ].
ولما كان التقدير بعدما أرشد إليه السياق من مفعول ﴿ينذر﴾ : فإنا قادرون على إهلاكهم وجميع ما نريد منهم، عطف عليه قوله :﴿وكم أهلكنا﴾ بما لنا من العظمة، ولما كان المراد التعميم، أثبت الظرف عرياً عن الجار، وأكد الخبر بإثبات من بعده فقال :﴿قبلهم من قرن﴾ كانوا أشد منهم شدة، وأكثر عدة، وأوثق عدة، فلم يبق إلا سماع أخبارهم، ومشاهدة آثارهم ؛ ثم قال تصويراً لحالهم، وتقريراً لمضمون ما مضى من مآلهم :﴿هل تحس منهم من أحد﴾ ببصر أو لمس ﴿أو تسمع لهم ركزاً﴾ أي صوتاً خفياً فضلاً عن أن يكون جلياً، فقد ختمت السورة بما بدئت به من الرحمة لأوليائه، والود لأصفيائه، والنعمة للذين خلفوا بعدهم من أعدائه، بعد الرحمة للفريقين بهذا الكتاب بشارة ونذارة فحلت الرحمة على أوليائه، وزلت عن أعدائه. والله الموفق. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٤ صـ ٥٥٩ ـ ٥٦١﴾