والجواب عن الثالث : أنه محمول على فعل الألطاف وخلق داعية إكرامه في قلوبهم، أما قوله تعالى :﴿فَإِنَّمَا يسرناه بِلَسَانِكَ لِتُبَشّرَ بِهِ المتقين﴾ فهو كلام مستأنف بين به عظيم موقع هذه السورة لما فيها من التوحيد والنبوة والحشر والنشر والرد على فرق المضلين المبطلين فبين تعالى أنه يسر ذلك بلسانه ليبشر به وينذر، ولولا أنه تعالى نقل قصصهم إلى اللغة العربية لما تيسر ذلك على الرسول ﷺ فأما أن القرآن يتضمن تبشير المتقين وإنذار من خرج منهم فبين، لكنه تعالى لما ذكر أنه يبشر به المتقين ذكر في مقابلته من هو في مخالفة التقوى أبلغ وأبلغهم الألد الذي يتمسك بالباطل ويجادل فيه ويتشدد وهو معنى لداً، ثم إنه تعالى ختم السورة بموعظة بليغة فقال :﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مّن قَرْنٍ﴾ لأنهم إذا تأملوا وعلموا أنه لا بد من زوال الدنيا والانتهاء إلى الموت خافوا ذلك وخافوا أيضاً سوء العاقبة في الآخرة فكانوا فيها إلى الحذر من المعاصي أقرب، ثم أكد تعالى في ذلك فقال :﴿هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مّنْ أَحَدٍ﴾ لأن الرسول عليه السلام إذا لم يحس منهم برؤية أو إدراك أو وجدان :﴿وَلاَ يَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً﴾ وهو الصوت الخفي، ومنه ركز الرمح إذا غيب طرفه في الأرض والركاز المال المدفون دل ذلك على انقراضهم وفنائهم بالكلية، والأقرب في قوله :﴿أَهْلَكْنَا﴾ أن المراد به الانقراض بالموت وإن كان من المفسرين من حمله على العذاب المعجل في الدنيا، والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٢١ صـ ٢١٨ ـ ٢١٩﴾


الصفحة التالية
Icon