وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ إِنَّ الذين آمَنُواْ ﴾ أي صدّقوا.
﴿ وَعَمِلُواْ الصالحات سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرحمن وُدّاً ﴾ أي حباً في قلوب عباده.
كما رواه الترمذي من حديث سعد وأبي هريرة : أن النبي ﷺ :« إذا أحب الله عبداً نادى جِبرِيل إني قد أحببت فلاناً فأحبّه قال : فينادِي في السماءِ ثم تنزل له المحبة في أهل الأرض فذلك قوله تعالى :﴿ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرحمن وُدّاً ﴾ وإذا أبغض الله عبداً نادى جِبريلَ إني أبغضت فلاناً فينادِي في السماء ثم تنزل له البغضاء في الأرض » قال هذا حديث حسن صحيح.
وخرجه البخاري ومسلم بمعناه، ومالك في الموطأ، وفي نوادر الأصول.
وحدّثنا أبو بكر بن سابق الأموي قال : حدّثنا أبو مالك الْجَنْبي عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال : قال رسول الله ﷺ :« إن الله أعطى المؤمن الألفة والملاحة والمحبة في صدور الصالحين والملائكة المقربين ثم تلا ﴿ إِنَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرحمن وُدّاً ﴾ » واختلف فيمن نزلت ؛ فقيل في علي رضي الله تعالى عنه ؛ روى البراء بن عازب قال : قال رسول الله ﷺ لعلي بن أبي طالب :« قل يا علي اللهم اجعل لي عندك عهداً واجعل لي في قلوب المؤمنين مودة » فنزلت الآية ؛ ذكره الثعلبي.
وقال ابن عباس : نزلت في عبد الرحمن بن عوف ؛ جعل الله تعالى له في قلوب العباد مودة، لا يلقاه مؤمن إلا وقّره، ولا مشرك ولا منافق إلا عظّمه.
وكان هرم بن حيّان يقول : ما أقبل أحد بقلبه على الله تعالى إلا أقبل الله تعالى بقلوب أهل الإيمان إليه، حتى يرزقه مودّتهم ورحمتهم.
وقيل : يجعل الله تعالى لهم مودّة في قلوب المؤمنين والملائكة يوم القيامة.
قلت : إذا كان محبوباً في الدنيا فهو كذلك في الآخرة ؛ فإن الله تعالى لا يحب إلا مؤمناً تقيا، ولا يرضى إلا خالصاً نقياً ؛ جعلنا الله تعالى منهم بمنه وكرمه.


الصفحة التالية
Icon