وقال أبو السعود :
﴿ إِنَّ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات ﴾
لما فُصّلت قبائحُ أحوالِ الكفرة عُقّب ذلك بذكر محاسنِ أحوالِ المؤمنين ﴿ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرحمن وُدّاً ﴾ أي سيُحدث لهم في القلوب مودّةً من غير تعرضٍ منهم لأسبابها سوى ما لهم من الإيمان والعملِ الصالحِ، والتعرضُ لعنوان الرحمانيةِ لِما أن الموعودَ من آثارها. وعن النبي عليه الصلاة والسلام :" إذا أحبّ الله عبداً يقول لجبريلَ عليه السلام : إني أحبُّ فلاناً فأحِبَّه، فيُحِبّه جيريلُ ثم ينادي في أهل السماء : إن الله أحب فلاناً فأحِبُّوه، فيحبه أهلُ السماء ثم يوضع له المحبةُ في الأرض ". والسينُ لأن السورةَ مكيةٌ وكانوا إذ ذاك ممقوتين بين الكفرة فوعدهم ذلك ثم أنجزه حين ربا الإسلامُ، أو لأن الموعودَ في القيامة حين تُعرض حسناتُهم على رؤوس الأشهاد فينزع ما في صدورهم من الغِلّ الذي كان في الدنيا، ولعل إفرادَ هذا بالوعد من بين ما سيُؤْتَون يوم القيامة من الكرامات السنية لِما أن الكفرةَ سيقع بينهم يومئذ تباغضٌ وتضادٌّ وتقاطُعٌ وتلاعن.
﴿ فَإِنَّمَا يسرناه ﴾
أي القرآنَ ﴿ بِلَسَانِكَ ﴾ بأن أنزلناه على لغتك والباء بمعنى على، وقيل : ضُمّن التيسيرُ معنى الإنزالِ أي يسرنا القرآنَ منزِلين له بلغتك، والفاءُ لتعليل أمرٍ ينساق إليه النظمُ الكريم، كأنه قيل بعد إيحاءِ السورةِ الكريمة : بلِّغْ هذا المنزلَ أو بشر به وأنذر فإنما يسرناه بلسانك العربي المبين.
﴿ لِتُبَشّرَ بِهِ المتقين ﴾ أي الصائرين إلى التقوى بامتثال ما فيه من الأمر والنهي ﴿ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً ﴾ لا يؤمنون به لجَاجاً وعِناداً، واللُّد جمعُ الألد وهو الشديدُ الخصومة اللَّجوجُ المعانِدُ.