والكلام على تقدير مضاف أي إلى كرامة الرحمن أو ثوابه وهو الجنة أو إلى دار كرامته أو نحو ذلك، وقيل : الحشر إلى الرحمن كناية عن ذلك فلا تقدير، وكان الظاهر الضمير بأن يقال يوم نحشر المتقين إلينا إلا أنه اختير الرحمن إيذاناً بأنهم يجمعون من أماكن متفرقة وأقطار شاسعة إلى من يرحمهم.
قال القاضي : ولاختيار الرحمن في هذه السورة شأن، ولعله أن مساق الكلام فيها لتعداد النعم الجسام وشرح حال الشاكرين لها والكافرين بها فكأنه قيل : هنا يوم نحشر المتقين إلى ربهم الذي غمرهم من قبل برحمته وشملهم برأفته وحاصله يوم نحشرهم إلى من عودهم الرحمة وفي ذلك من عظيم البشارة ما فيه، وقد قابل سبحانه ذلك بقوله جل وعلا :
﴿ وَنَسُوقُ المجرمين ﴾ كما تساق البهائم ﴿ إلى جَهَنَّمَ وِرْداً ﴾ أي عطاشاً كما روي عن ابن عباس.
وأبي هريرة.
والحسن.
وقتادة.
ومجاهد، وأصله مصدر ورد أي سار إلى الماء، قال الراجز :
ردي ردي ورد قطاة صما...
كدرية أعجبها برداً لما
وإطلاقه على العطاش مجاز لعلاقة اللزوم لأن من يرد الماء لا يرده إلا لعطش، وجوز أن يكون المراد من الورد الدواب التي ترد الماء والكلام على التشبيه أي نسوقهم كالدواب التي ترد الماء، وفي "الكشف" في لفظ الورد تهكم واستخفاف عظيم لا سيما وقد جعل المورد جهنم أعاذنا الله تعالى منها برحمته فلينظر ما بين الجملتين من الفرق العظيم.
وقرأ الحسن.
والجحدري ﴿ يُحْشَرُ المتقون كَرِهَ المجرمون ﴾ ببناء الفعلين للمفعول.
واستدل بالآية على أن أهوال القيامة تختص بالمجرمين لأن المتقين من الابتداء يحشرون مكرمين فكيف ينالهم بعد ذلك شدة ؛ وفي "البحر" الظاهر أن حشر المتقين إلى الرحمنوفداً بعد انقضاء الحساب وامتياز الفريقين وحكاه ابن الجوزي عن أبي سليمان الدمشقي وذكر ذلك النيسابوري احتمالاً بحثاً في الاستدلال السابق.


الصفحة التالية
Icon