وقال الجصاص :
قَوْله تَعَالَى :﴿ وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا إنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ﴾
فِيهِ الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ مِلْكَ الْوَالِدِ لَا يَبْقَى عَلَى وَلَدِهِ فَيَكُونُ عَبْدًا لَهُ يَتَصَرَّفُ فِيهِ كَيْفَ شَاءَ وَأَنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ إذَا مَلَكَهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَالَى فَرَّقَ بَيْنَ الْوَلَدِ وَالْعَبْدِ، فَنَفَى بِإِثْبَاتِهِ الْعُبُودِيَّةَ النُّبُوَّةَ.
وَقَدْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :﴿ لَا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ بِالشِّرَى ﴾، وَهُوَ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿ : النَّاسُ غَادِيَانِ فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُوبِقُهَا وَمُشْتَرٍ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا ﴾، وَلَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ أَنْ يَبْتَدِئَ لِنَفْسِهِ عِتْقًا بَعْدَ الشِّرَى، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ : مُعْتِقُهَا بِالشِّرَى، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ :﴿ فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ ﴾، وَهُوَ كَقَوْلِهِ :" فَيَشْتَرِيَهُ فَيَمْلِكَهُ " وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ اسْتِئْنَافَ مِلْكٍ آخَرَ بَعْدَ الشِّرَى بَلْ يَمْلِكُهُ بِالشِّرَى.
وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِنَفْسِ الشِّرَى أَنَّ وَلَدَ الْحُرِّ مِنْ أَمَتِهِ حُرُّ الْأَصْلِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى اسْتِئْنَافِ عِتْقٍ، وَكَذَلِكَ الْمُشْتَرِي لِابْنِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ احْتَاجَ الْمُشْتَرِي لِابْنِهِ إلَى اسْتِئْنَافِ عِتْقٍ لَاحْتَاجَ إلَيْهِ أَيْضًا الِابْنُ الْمَوْلُودُ مِنْ أَمَتِهِ ؛ إذْ كَانَتْ الْأَمَةُ مَمْلُوكَةً.