أقول غير جدير بالقبول لعدم الاستناد فيها إلى شيء صحيح، وما ذكرناه هو الأولى والأنسب، لاستناده للحديث الذي أوردناه أول سورة يس، يؤيده الخطاب في قوله تعالى "ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى " في المبالغة في مكابدة العبادة قد يعتريك فيه التعب الشديد، أو في هلاك نفسك في محاورة العتاة ومجادلة الطغاة من قومك من فرط الأسى والتحسر على عدم إيمانهم "إِلَّا" أي ما أنزلناه عليك يا أكرم الرسل لشقائك به، ولكن "تَذْكِرَةً" تذكرهم به وعفة "لِمَنْ يَخْشى " ٣ اللّه ويتأثر بالإنذار به لرفة قلبه ولين عريكته لينتفع به، لا كما زعم المشركون، وذلك أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يجتهد في عبادة ربه في مكة حتى تورمت قدماه، فلما رأى ذلك منه المشركون قالوا ما أنزل اللّه عليه الوحي الذي يزعم إلا لشقائه، وكان صلى اللّه عليه وسلم يجهد نفسه بالعبادة من جهة ومن أخرى بدعوة قومه إلى ربه ويلح على نفسه في هذين الأمرين، لأنهما غاية مطلبه ونهاية قصده في الدنيا، فأنزل اللّه عليه هذه الآية ليخفف عن نفسه الشريفة ما حملها من الأعباء، ويقتصد بالعبادة والدعوة
"تَنْزِيلًا" مفعول مطلق أي أن هذا القرآن نزل عليك يا محمد "مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى " ٤ كما يقوله كفرة قومك من كونه سحر أو كهانة أو من خرافات الأولين أو من تعليم الغير، بل هو من اللّه الخالق لهذين الحرمين العظيمين وهو "الرَّحْمنُ" الذي وسعت رحمته كل شيء عزت قدرته وجلت عظمته "عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى " ٥ استواء يليق بذاته ويراد ممنه الظهور والاستيلاء والتمكن.
مطلب العرش ومعنى الاستيلاء عليه :