والقصد من تكرار هذه القصص ونحوها طورا باختصار، وتارة بإسهاب، ومرة بتوسط، أمور :(١) التفنن بالبلاغة لأن إفادة المعنى بالموجز منها بوجه أبلغ كإفادته بصورة مطنبة من نوع الإعجاز والتحدّي (٢) تسلية حضرة الرسول صلى اللّه عليه وسلم
بإطلاعه على ما قاسته الأنبياء قبله من أقوامهم ليهون عليه ما يلاقيه من قومه (٣) أن تكون العاقبة بالنصر والظفر لحضرته كما كانت للأنبياء الذين يعلم بقصصهم على طريق البشارة (٤) إعلام قومه بأن ما يوحى اليه هو من الإخبار (بالغيب) وانه من اللّه حق لأنه أمي لا يقرأ ولا يكتب ولم يفارقهم ليظن به أنه تعلم أو سمعه من الغير (٥) أن يعلم حضرة الرسول أن الصبر على الشدائد وتحمل الأذى هو من شأن الأنبياء كلهم لا من خصائصه وحده.
هذا، وقد سبق أن بيّنا فوائد التكرار وأسبابه في الآية ١٧ من الأعراف المارة فراجعها، واعلم أن قصة السيدين موسى وهرون مع قومهما وقصة آدم عليه السلام وإبليس عليه اللعنة تكررت في المكي والمدني من القرآن العظيم، أما قصص سائر الأنبياء فلم تكرر إلا بالمكي منه على التفصيل وقد يأتي ذكرها في المدني في بعض السور إشارة وإلماعا بسائق تعداد ما وقع للأنبياء مع قومهم وسياق تعداد فضائلهم وما منحهم اللّه من الكرامات، وسنأتي على بيان هذا ان شاء اللّه عند ذكر كل قصة "إِذْ رَأى ناراً" حال مجيئه وأهله من مدين بلدة شعيب عليه السلام وذهابه إلى مصر لزيارة أمه وأخيه "فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا" مكانكم هذا لا تبرحوه، وكان الوقت ليلا وشتاء باردا "إِنِّي آنَسْتُ" أبصرت ما يؤنس به ورأيت هناك "ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ" شعلة تستدنؤن بها، وقد جمع الضمير لأنه كان مع أهله ولد وخادم أو على طريق التفخيم كقوله :


الصفحة التالية
Icon