ثم أراد جل شأنه أن يريه آية على رسالته فقال "وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى " ١٧ وهذا سؤال لتقرير الحكم منه أن يوقفه أولا على ماهية ما بيده وينبهه على ما يريد بها وما سيظهره له بها من العجائب، حتى إذا صيّرها لا يهوله أمرها، ويوطن نفسه عليها، وليعلم أنها معجزة له وبرهان على نبي "قالَ هِيَ عَصايَ" أضافها لنفسه لأنها بيده.
مطلب عصا موسى وإعطاء محمد من نوع ما حدث للرسل وأعظم :
قيل كان للعصا شعبتان وفي أسفلها سنان واسمها نبعة، أخذها من بيت شعيب عليه السلام، وقيل إنها من آس الجنة وقد هبط بها آدم عليه السلام.
واعلم أن زيادة التاء قبل الياء لحن، قالوا أول لحن وقع في العرب (هذه عصاتي) ثم بيّن ما يروم بها عفوا فقال "أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها" أي أضرب بها الشجر اليابس ليسقط ورقه "عَلى غَنَمِي" فترعاه، وهذا معنى الهش "وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى " ١٨ كحمل الزاد وشد الحبل عند استقاء الماء من البئر وقتل الهوام ومحاربة السباع وتعليق الثوب بها للاستظلال تحتها وغيرها، ولكنه عليه السلام لم يعلم المأرب الأعظم الذي يريده اللّه تعالى بها وهو معجزته العظيمة التي يرفع اللّه بها شأنه، ويهدي بها قومه "قالَ أَلْقِها يا مُوسى " ١٩ لأريك ماذا أريد بها مما لا يقع ببالك بما يؤول إليه عزّك وسلطانك وإنقاذ قومك وإرشادهم "فَأَلْقاها" ليرى الذي يريده ربه منها "فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى " ٢٠ تمشي بسرعة وقد سماها اللّه ثعبانا في الآية ١٠٧ من الأعراف المارة، وجانّا في الآية ١٠ من سورة النحل الآتية، والحية تطلق على الصغيرة والكبيرة، لأنه أول ما ألقاها رآها بنظره صغيرة، ثم انتفخت حتى صارت كأعظم ثعبان، تلقف الحجر وتبلع الشجر وتلقم ما تراه، فترعب من لا يعرف الرعب، فخاف منها وتباعد عنها موليا إذ رأى ما لم يكن بالحسبان، فأراد ربه أن يوطنه ويؤمنه