بعد هذا بين سبحانه أن الوجوه كلها تكون عانية خاضعة، وقد خاب من حمل ظلما، بين سبحانه منزلة القرآن وأنه نزل عربيا، وصرف فيه من الوعيد ما تهلع له القلوب، فتعالى الله الملك الحق (... وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (١١٤).
ويقول سبحانه تذكيرا لابن آدم، وبيان عرضته للخطأ والنسيان، فيقول سبحانه :( وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (١١٥)، فذكر سبحانه أبانا بأنه حذره من الشيطان وقال له :(... إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى، ولكن وسوس إليه الشيطان :(... قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى (١٢٠)
فأكلا منها فبدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى آدم ربه فغوى وهبط آدم وزوجه وإبليس إلى الأرض بعضهم لبعض عدو، وقال لهم رب البرية :( قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (١٢٣) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (١٢٤) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (١٢٥) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (١٢٦)،
وإن العذاب عذابان : عذاب الدنيا بالضلال والعمى عن الحق، وهذا عذاب لأهل العقول، وعذاب فى الآخرة وهو أشق وأبقى.