البحث الأول : قال عليه السلام :" إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ أيها الناس أنا جعلت لكم نسباً وأنتم جعلتم لأنفسكم نسباً، أنا جعلت أكرمكم عندي أتقاكم وأنتم جعلتم أكرمكم أغناكم فالآن أرفع نسبي وأضع نسبكم، أين المتقون الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون! "، واعلم أن الأشياء في قسمة العقول على ثلاثة أقاسم : كامل لا يحتمل النقصان، وناقص لا يحتمل الكمال، وثالث يقبل الأمرين، أما الكامل الذي لا يحتمل النقصان فهو الله تعالى وذلك في حقه بالوجوب الذاتي وبعده الملائكة فإن من كمالهم أنهم :﴿لاَّ يَعْصُونَ الله مَا أَمَرَهُمْ﴾ [ التحريم : ٦ ] ومن صفاتهم أنهم :﴿عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ﴾ [ الأنبياء : ٢٦ ] ومن صفاتهم أنهم يستغفرون للذين آمنوا، وأما الناقص الذي لا يحتمل الكمال فهو الجمادات والنبات والبهائم، وأما الذي يقبل الأمرين جميعاً فهو الإنسان تارة يكون في الترقي بحيث يخبر عنه بأنه ﴿فِى مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرِ﴾ [ القمر : ٥٥ ] وتارة في التسفل بحيث يقال :﴿ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سافلين﴾ [ التين : ٥ ] وإذا كان كذلك استحال أن يكون الإنسان كاملاً لذاته، وما لا يكون كاملاً لذاته استحال أن يصير موصوفاً بالكمال إلى أن يصير منتسباً إلى الكامل لذاته.
لكن الانتساب قسمان : قسم يعرض للزوال وقسم لا يكون يعرض للزوال.
أما الذي يكون يعرض للزوال، فلا فائدة فيه ومثاله الصحة والمال والجمال، وأما الذي لا يكون يعرض للزوال فعبوديتك لله تعالى فإنه كما يمتنع زوال صفة الإلهية عنه يمتنع زوال صفة العبودية عنك فهذه النسبة لا تقبل الزوال، والمنتسب إليه وهو الحق سبحانه لا يقبل الخروج عن صفة الكمال.