إذا تقرر هذا، علم أن المقصود من السورة - كما تقدم - تشريف هذا النبي الكريم ـ ﷺ ـ بإعلامه بالرفق بأمته، والإقبال بقلوبهم حتى يملؤوا الأرض كثرة، كما أنزل عليهم السكينة وهم في غاية الضعف والقلة، وحماهم ممن يريد قتلهم، ولين قلب عمر ـ رضى الله عنهم ـ بعد ما كان فيه من الغلظة وجعله وزيراً، ثم حماه بعدوه، وتأمينه ـ ﷺ ـ من أن يستأصلوا بعذاب، وبأنه يموت نبيهم قبلهم لا كما وقع للمهلكين من قوم نوح وهود عليهما السلام ومن بعدهم - بما دل عليه افتتاح هذه بنفي الشقاء وختم تلك بجعل الود وغير ذلك، والداعي إلى هذا التأمين أنه سبحانه لما ختم تلك بإهلاك القرون وإبادة الأمم بعد إنذار القوم اللد، ولم يختم سورة من السور الماضية بمثل ذلك، كان ربما أفهم أنه قد انقضت مدتهم، وحل بوارهم، وأتى دمارهم، وأنه لا يؤمن منهم - لما هم فيه من اللد - إلا من قد آمن، فحصل بذلك من الغم والحزن ما لا يعلم قدره إلا الله، لأن الأمر كان في ابتدائه، ولم يسلم منهم إلا نفر يسير جداً، فسكن سبحانه الروع بقوله :﴿ما أنزلنا﴾ بعظمتنا ﴿عليك﴾ أي وأنت أعلم الخلق ﴿القرآن﴾ أي أعظم الكتب، الجامع لكل خير، والدافع لكل ضير، الذي يسرناه بلسانك ﴿لتشقى﴾ أي بتعب قلبك بكونك من أقل المرسلين تابعاً بعد استئصال قومك وشقائهم بإنذارك ﴿إلا﴾ أي لكن أنزلناه ﴿تذكرة﴾ أي تذكيراً عظيماً ﴿لمن يخشى﴾ ممن أشرنا في آخر التي قبلها إلى بشارته إيماء إلى أنه سيكون فيهم من المتقين من تناسب كثرته إعجاز هذا القرآن ودوامه، وما فيه من الجمع المشار إليه بالتعبير بالقرآن لجميع ما في الكتب السالفة من الأحكام أصولاً وفروعاً، والمواعظ والرقائق، والمعارف والآداب، وأخبار الأولين والآخرين، ومصالح الدارين، وزيادته عليها بما شاء الله، لأن كثرة الأمة على قدر جلالة الكتاب، والتعبير عن " لكن " بالإشارة إلى أنه يمكن