ولا شك أنه عليه الصلاة والسلام يحزنه تأخير إيمانهم، ولذلك قيل له ﴿فلا تحزن عليهم﴾ فكأنه عليه الصلاة والسلام ظن أنه يستصعب المقصود من استجابتهم، أو ينقطع الرجاء من إنابتهم فيطول العناء والمشقة، فبشره سبحانه وتعالى بقوله :﴿ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى﴾ فلا عليك من لدد هؤلاء وتوقفهم، فيستجيب من انطوى على الخشية إذا ذكر وحرك إلى النظر في آيات الله كما قيل له في موضع آخر ﴿فلا يحزنك قولهم﴾ [ يونس : ٦٥ ] ثم تبع ذلك سبحانه تعريفاً وتأنيساً بقوله ﴿الرحمن على العرش استوى﴾ إلى أول قصص موسى عليه السلام، فأعلم سبحانه أن الكل خلقه ملكه، وتحت قهره وقبضته لا يشذ شيء عن ملكه.
فإذا شاهد آية من وفقه لم يصعب أمره، ثم اتبع ذلك بقصة موسى عليه السلام، وما كان منه في إلقائه صغيراً في اليم، وما جرى بعد ذلك من عجيب الصنع وهلاك فرعون وظهور بني إسرائيل، وكل هذا مما يؤكد القصد المتقدم، وهذا الوجه الثاني أولى من الأول - والله أعلم، انتهى.
﴿إذ﴾ أي حديثه حين ﴿رأى ناراً﴾ وهو راجع من بلاد مدين ﴿فقال لأهله امكثوا﴾ أي مكانكم واتركوا ما أنتم عليه من السير ؛ ثم علل أمره بقوله :﴿إني ءانست﴾ أي أبصرت في هذا الظلام إبصاراً بيناً لا شبهة فيه من إنسان العين الذي تبين به الأشياء، وهو مع ذلك مما يسر من الإنس الذين هم ظاهرون ما ترك بهم ﴿ناراً﴾ فكأنه قيل، فكان ماذا؟ فقال معبراً بأداة الترجي لتخصيصه الخبر الذي عبر به في النمل بالهدى :﴿لعلي ءاتيكم﴾ أي أترجى أن أجيئكم ﴿منها بقبس﴾ أي بشعلة من النار في رأس حطبة فيها جمرة تعين على برد هذه الليلة ﴿أو أجد على﴾ مكان ﴿النار هدى﴾ أي ما أهتدي به لأن الطريق كانت قد خفيت عليهم ﴿فلما أتاها ﴾.