أحدها : كانتا من جلد حمار ميت فلذلك أمر بخلعهما صيانة للوادي المقدس ولذلك قال عقيبه :﴿إِنَّكَ بالوادي المقدس طوى﴾ وهذا قول علي عليه السلام وقول مقاتل والكلبي والضحاك وقتادة والسدي.
والثاني : إنما أمر بخلعهما لينال قدميه بركة الوادي وهذا قول الحسن وسعيد بن جبير ومجاهد.
وثالثها : أن يحمل ذلك على تعظيم البقعة من أن يطأها إلا حافياً ليكون معظماً لها وخاضعاً عند سماع كلام ربه، والدليل عليه أنه تعالى قال عقيبه :﴿إِنَّكَ بالوادي المقدس طوى﴾ وهذا يفيد التعليل فكأنه قال تعالى : اخلع نعليك لأنك بالوادي المقدس طوى.
وأما أهل الإشارة فقد ذكروا فيها وجوهاً : أحدها : أن النعل في النوم يفسر بالزوجة والولد فقوله :﴿فاخلع نَعْلَيْكَ﴾ إشارة إلى أن لا يلفت خاطره إلى الزوجة والولد وأن لا يبقى مشغول القلب بأمرهما.
وثانيها : المراد بخلع النعلين ترك الالتفات إلى الدنيا والآخرة كأنه أمره بأن يصير مستغرق القلب بالكلية في معرفة الله تعالى ولا يلتفت بخاطره إلى ما سوى الله تعالى والمراد من الوادي المقدس قدس جلال الله تعالى وطهارة عزته يعني أنك لما وصلت إلى بحر المعرفة فلا تلتفت إلى المخلوقات.
وثالثها : أن الإنسان حال الاستدلال على الصانع لا يمكنه أن يتوصل إليه إلا بمقدمتين مثل أن يقول العالم المحسوس محدث أو ممكن وكل ما كان كذلك فله مدبر ومؤثر وصانع وهاتان المقدمتان تشبهان النعلين لأن بهما يتوصل العقل إلى المقصود ويتنقل من النظر في الخلق إلى معرفة الخالق ثم بعد الوصول إلى معرفة الخالق وجب أن لا يبقى ملتفتاً إلى تينك المقدمتين لأن بقدر الاشتغال بالغير يبقى محروماً عن الاستغراق فيه فكأنه قيل له لا تكن مشتغل القلب والخاطر بتينك المقدمتين فإنك وصلت إلى الوادي المقدس الذي هو بحر معرفة الله تعالى ولجة ألوهيته.
المسألة التاسعة :


الصفحة التالية
Icon