وخامسها : أن هذه السورة من أوائل ما نزل بمكة وفي ذلك الوقت كان عليه السلام مقهوراً تحت ذل أعدائه فكأنه سبحانه قال له لا تظن أنك تبقى على هذه الحالة أبداً بل يعلو أمرك ويظهر قدرك فإنا ما أنزلنا عليك مثل هذا القرآن لتبقى شقياً فيما بينهم بل تصير معظماً مكرماً.
وأما قوله تعالى :﴿إِلاَّ تَذْكِرَةً لّمَن يخشى﴾ ففيه مسائل :
المسألة الأولى :
في كلمة إلا ههنا قولان، أحدهما : أنه استثناء منقطع بمعنى لكن.
والثاني : التقدير ما أنزلنا عليك القرآن لتحمل متاعب التبليغ إلا ليكون تذكرة كما يقال ما شافهناك بهذا الكلام لتتأذى إلا ليعتبر بك غيرك.
المسألة الثانية :
إنما خص من يخشى بالتذكرة لأنهم المنتفعون بها وإن كان ذلك عاماً في الجميع وهو كقوله :﴿هُدًى لّلْمُتَّقِينَ﴾ [ البقرة : ٢ ] وقال سبحانه وتعالى :﴿تَبَارَكَ الذي نَزَّلَ الفرقان على عَبْدِهِ لِيَكُونَ للعالمين نَذِيراً﴾ [ الفرقان : ١ ] وقال :﴿لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أُنذِرَ ءَابَاؤُهُمْ فَهُمْ غافلون﴾ [ يس : ٦ ] وقال :﴿وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً﴾ [ مريم : ٩٧ ] وقال :﴿وَذَكّرْ فَإِنَّ الذكرى تَنفَعُ المؤمنين﴾ [ الذاريات : ٥٥ ].
المسألة الثالثة :
وجه كون القرآن تذكرة أنه عليه السلام كان يعظمهم به وببيانه فيدخل تحت قوله لمن يخشى الرسول ﷺ لأنه في الخشية والتذكرة بالقرآن كان فوق الكل.
وأما قوله تعالى :﴿تَنزِيلاً مّمَّنْ خَلَق الأرض والسماوات العلى﴾ ففيه مسائل :
المسألة الأولى :
ذكروا في نصب تنزيلا وجوهاً.
أحدها : تقديره نزل تنزيلاً ممن خلق الأرض فنصب تنزيلاً بمضمر.
وثانيها : أن ينصب بأنزلنا لأن معنى ما أنزلناه إلا تذكرة أنزلناه تذكرة.
وثالثها : أن ينصب على المدح والاختصاص.