وأما الصورة الثانية وهي قوله :﴿فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبّى نَسْفاً﴾ [ طه : ١٠٥ ] فالسبب أن قولهم :﴿وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الجبال﴾ [ طه : ١٠٥ ] سؤال إما عن قدمها أو عن وجوب بقائها وهذه المسألة من أمهات مسائل أصول الدين فلا جرم أمر الله تعالى محمداً ﷺ أن يجيب بلفظ الفاء المفيد للتعقيب كأنه سبحانه قال يا محمد أجب عن هذا السؤال في الحال ولا تقتصر فإن الشك فيه كفر ولا تمهل هذا الأمر لئلا يقعوا في الشك والشبهة، ثم كيفية الجواب أنه قال :﴿فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبّى نَسْفاً﴾ ولا شك أن النسف ممكن لأنه ممكن في حق كل جزء من أجزاء الجبل والحس يدل عليه فوجب أن يكون ممكناً في حق كل الجبل وذلك يدل على أنه ليس بقديم ولا واجب الوجود لأن القديم لا يجوز عليه التغير والنسف، فإن قيل : إنهم قالوا : أخبرنا عن إلهك أهو ذهب أو فضة أو حديد فقال :﴿قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ﴾ [ الإخلاص : ١ ] ولم يقل فقل هو الله أحد مع أن هذه المسألة من المهمات قلنا إنه تعالى لم يحك في هذا الموضع سؤالهم وحرف الفاء من الحروف العاطفة فيستدعي سبق كلام فلما لم يوجد ترك الفاء بخلاف ههنا فإنه تعالى حكى سؤالهم فحسن عطف الجواب عليه بحرف الفاء.
وأما الصورة الثالثة : فإنه تعالى لم يذكر الجواب في قوله :﴿يَسْئَلُونَكَ عَنِ الساعة أَيَّانَ مرساها﴾ فالحكمة فيه أن معرفة وقت الساعة على التعيين مشتملة على المفاسد التي شرحناها فيما سبق فلهذا لم يذكر الله تعالى ذلك الجواب وذلك يدل على أن من الأسئلة ما لا يجاب عنها.
وأما الصورة الرابعة : وهي قوله :﴿فَإِنّي قَرِيبٌ﴾ ولم يذكر في جوابه قل ففيه وجوه.
أحدها : أن ذلك يدل على تعظيم حال الدعاء وأنه من أعظم العبادات فكأنه سبحانه قال : يا عبادي أنت إنما تحتاج إلى الواسطة في غير الدعاء أما في مقام الدعاء فلا واسطة بيني وبينك يدل عليه أن كل قصة وقعت لم تكن معرفتها من المهمات.


الصفحة التالية
Icon