﴿واذكر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً﴾ [ الأعراف : ٢٠٥ ] وقال ﷺ :" ادعوا بياذا الجلال والإكرام " فبهذه الآيات عرفنا أن الدعاء عبادة قال بعض الجهال : الدعاء على خلاف العقل من وجوه : أحدها : أنه علام الغيوب يعلم ما في الأنفس وما تخفي الصدور، فأي حاجة بنا إلى الدعاء.
وثانيها : أن المطلوب إن كان معلوم الوقوع فلا حاجة إلى الدعاء وإن كان معلوم اللاوقوع فلا فائدة فيه.
وثالثها : الدعاء يشبه الأمر والنهي وذلك من العبد في حق المولى سوء أدب.
ورابعها : المطلوب بالدعاء إن كان من المصالح فالحكيم لا يهمله وإن لم يكن من المصالح لم يجز طلبه.
وخامسها : فقد جاء أن أعظم مقامات الصديقين الرضا بقضاء الله تعالى.
وقد ندب إليه والدعاء ينافي ذلك لأنه اشتغال بالالتماس والطلب.
وسادسها : قال عليه السلام رواية عن الله تعالى :" من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطى السائلين " فدل على أن الأولى ترك الدعاء والآيات التي ذكرتموها تقتضي وجوب الدعاء.
وسابعها : أن إبراهيم عليه السلام لما ترك الدعاء واكتفى بقوله :" حسبي من سؤالي علمه بحالي " استحق المدح العظيم فدل على أن الأولى ترك الدعاء.
والجواب عن الأول أنه ليس الغرض من الدعاء الإعلام بل هو نوع تضرع كسائر التضرعات.
وعن الثاني : أنه يجري مجرى أن نقول للجائع والعطشان إن كان الشبع معلوم الوقوع فلا حاجة إلى الأكل والشرب وإن كان معلوم اللاوقوع فلا فائدة فيه.
وعن الثالث : أن الصيغة وإن كانت صيغة الأمر إلا أن صورة التضرع والخشوع تصرفه عن ذلك.
وعن الرابع : يجوز أن يصير مصلحة بشرط سبق الدعاء.
وعن الخامس : أنه إذا دعا إظهاراً للتضرع ثم رضي بما قدره الله تعالى فذاك أعظم المقامات وهو الجواب عن البقية إذا ثبت أنه من العبادات، ثم إنه تعالى أمره بالعبادة وبالصلاة أمراً ورد مجملاً لا جرم شرع في أجل العبادات وهو الدعاء.


الصفحة التالية
Icon