ورابعها : رب اشرح لي صدري فإن عين العين ضعيفة فأطلع يا إلهي شمس التوفيق حتى أرى كل شيء كما هو، وهذا في معنى قول محمد ﷺ :" أرنا الأشياء كما هي " واعلم أن شرح الصدر مقدمة لسطوع الأنوار الإلهية في القلب والاستماع مقدمة الفهم الحاصل من سماع الكلام فالله تعالى أعطى موسى عليه السلام المقدمة الثانية وهي فاستمع لما يوحى فلا جرم نسج موسى على ذلك المنوال فطلب المقدمة الأخرى فقال :﴿رَبِّ اشرح لِي صَدْرِي﴾ ولما آل الأمر إلى محمد ﷺ قيل له :﴿وَقُل رَّبّ زِدْنِى عِلْماً﴾ [ طه : ١١٤ ] والعلم هو المقصود، فلما كان موسى عليه السلام كالمقدمة لمقدم محمد ﷺ لا جرم أعطى المقدمة، ولما كان محمد كالمقصود لا جرم أعطى المقصود فسبحانه ما أدق حكمته في كل شيء.
وسادسها : الداعي له صفتان : إحداهما : أن يكون عبداً للرب :﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ﴾ [ البقرة : ١٨٦ ].
وثانيتهما : أن يكون الرب له :﴿وَقَالَ رَبُّكُمْ ادعونى أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [ غافر : ٦٠ ] أضاف نفسه إلينا وما أضافنا إلى نفسه والمشتغل بالدعاء قد صار كاملاً من هذين الوجهين فأراد موسى عليه السلام أن يرتع في هذا البستان فقال :﴿رَبِّ اشرح لِي صَدْرِي ﴾.
وسابعها : أن موسى عليه السلام شرفه الله تعالى بقوله :﴿وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً﴾ [ مريم : ٥٢ ] فكأن موسى عليه السلام قال إلهي لما قلت :﴿وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً﴾ صرت قريباً منك ولكن أريد قربك مني فقال يا موسى أما سمعت قولي :﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ﴾ فأشتغل بالدعاء حتى أصير قريباً منك فعند ذلك :﴿قَالَ رَبِّ اشرح لِي صَدْرِي ﴾.


الصفحة التالية
Icon