وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ إِنَّ الساعة آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لتجزى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تسعى ﴾
آية مشكلة ؛ فروي عن سعيد بن جبير أنه قرأ "أَكَادُ أَخْفِيهَا" بفتح الهمزة ؛ قال : أظهرها.
﴿ لتجزى ﴾ أي الإظهار للجزاء ؛ رواه أبو عبيد عن الكسائي عن محمد بن سهل عن وِقَاء بن إياس عن سعيد بن جبير.
وقال النحاس : وليس لهذه الرواية طريق غير هذا.
قلت : وكذا رواه أبو بكر الأنباري في كتاب الرد ؛ حدثني أبي حدثنا محمد بن الجهم حدثنا الفراء حدثنا الكسائي ؛ ح وحدثنا عبد الله بن ناجية، حدثنا يوسف حدثنا يحيى الحِمانيّ حدثنا محمد بن سهل.
قال النحاس ؛ وأجود من هذا الإسناد ما رواه يحيى القطان عن الثوري عن عطاء بن السائب عن سعيد عن جبير : أنه قرأ "أَكَادُ أُخْفيها" بضم الهمزة.
قلت : وأما قراءة ابن جبير "أَخْفِيهَا" بفتح الهمزة بالإسناد المذكور فقال أبو بكر الأنباري قال الفراء : معناه أظهرها من خفيت الشيء أخفيه إذا أظهرته.
وأنشد الفراء لامرىء القيس :
فإنْ تَدفِنُوا الدَّاءَ لا نَخْفِهِ...
وإنْ تَبعثُوا الحربَ لا نَقعُد
أراد لا نظهره ؛ وقد قال بعض اللغويين : يجوز أن يكون "أخْفِيهَا" بضم الهمزة معناه أظهرها لأنه يقال : خَفيتُ الشيء وأَخفيته إذا أظهرتَه ؛ فأخفيته من حروف الأضداد يقع على الستر والإظهار.
وقال أبو عبيدة : خَفيت وأَخفيت بمعنى واحد.
النحاس : وهذا حسن ؛ وقد حكاه عن أبي الخطّاب وهو رئيس من رؤساء اللغة لا يشك في صدقه ؛ وقد روى عنه سيبويه وأنشد :
وإِنْ تَكتُموا الداءَ لا نُخْفِهِ...
وإِنْ تَبعثُوا الحربَ لا نَقعُد
كذا رواه أبو عبيدة عن أبي الخطاب بضم النون.
وقال امرؤ القيس أيضاً :
خَفَاهنَّ من أنفاقِهنَّ كأنما...
خفاهنَّ وَدْقٌ من عَشِيِّ مُجَلِّبِ
أي أظهرهن.
وروي :"من سحاب مركَّب" بدل "من عَشيٍّ مجلِّب".