المطلوب الثاني : قوله :﴿وَيَسّرْ لِي أَمْرِي﴾ والمراد منه عند أهل السنة خلقها وعند المعتزلة تحريك الدواعي والبواعث بفعل الألطاف المسهلة، فإن قيل : كل ما أمكن من اللطف فقد فعله الله تعالى فأي فائدة في هذا السؤال، قلنا يحتمل أن يكون هناك من الألطاف ما لا يحسن فعلها إلا بعد هذا السؤال ففائدة السؤال حسن فعل تلك الألطاف.
المطلوب الثالث : قوله :﴿واحلل عُقْدَةً مّن لِّسَانِي * يَفْقَهُواْ قَوْلِي﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
اعلم أن النطق فضيلة عظيمة ويدل عليه وجوه.
أحدها : قوله تعالى :﴿خَلَقَ الإنسان * عَلَّمَهُ البيان﴾ [ الرحمن : ٣، ٤ ] ولم يقل وعلمه البيان لأنه لو عطفه عليه لكان مغايراً له، أما إذا ترك الحرف العاطف صار قوله :﴿عَلَّمَهُ البيان﴾ كالتفسير لقوله :﴿خَلَقَ الإنسان﴾ كأنه إنما يكون خالقاً للإنسان إذا علمه البيان، وذلك يرجع إلى الكلام المشهور من أن ماهية الإنسان هي الحيوان الناطق.
وثانيها : اتفاق العقلاء على تعظيم أمر اللسان، قال زهير :
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده.. فلم يبق إلا صورة اللحم والدم
وقال علي : ما الإنسان لولا اللسان إلا بهيمة مهملة أو صورة ممثلة.
والمعنى أنا لو أزلنا الإدراك الذهني والنطق اللساني لم يبق من الإنسان إلا القدر الحاصل في البهائم، وقالوا : المرء بأصغريه قلبه ولسانه.
وقال ﷺ :" المرء مخبوء تحت لسانه " وثالثها : أن في مناظرة آدم مع الملائكة ما ظهرت الفضيلة إلا بالنطق حيث قال :﴿يَاءَادَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِم قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِي أَعْلَمُ غَيْبَ السموات والأرض﴾ [ البقرة : ٣٣ ].


الصفحة التالية
Icon