فائدة
قال الإمام السبكى :
قَوْله تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ مُوسَى ﴿ كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا إنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا ﴾ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : مَعْنَى ( كُنْت ) فِي الْأَزَلِ وَلَمْ تَزَلْ، فَأَنْتَ تَعْلَمُ مُبْتَدَأَ أَمْرِنَا وَتَفَاصِيلِهِ كُلِّهَا مِنْ أَوَّلِ عُمْرِنَا إلَى آخِرِهَا.
بَصِيرٌ بِهَا لَا يَخْتَصُّ عِلْمُك بِالْوَقْتِ الْحَاضِرِ.
فَهَذِهِ فَائِدَةُ إدْخَالِ " كَانَ " وَقَوْلُهُ " بِنَا " أَيْ بِي وَبِأَخِي هَارُونَ.
وَفِيهِ ثَلَاثَةُ مَعَانٍ : أَحَدُهَا تَعْلَمُ أَنَّا نُسَبِّحُك كَثِيرًا وَنَذْكُرُك كَثِيرًا وَكَذَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا وَإِنَّا لَمْ نَزَلْ كَذَلِكَ فِي الْمَاضِي فَكَذَلِكَ نَكُونُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَهُمَا نَبِيَّانِ مَعْصُومَانِ ؛ فَحَسَنٌ مِنْهُمَا ذَلِكَ.
وَالثَّانِي تَعْلَمُ أَنَّا مُتَعَاوِنَانِ مُتَعَاضِدَانِ وَأَنَّ الْأُخُوَّةَ الَّتِي بَيْنَنَا وَالتَّعَاضُدَ وَالتَّعَاوُنَ بِتَوْفِيقِك لَنَا.
وَعَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ يَكُونُ تَوَسُّلًا بِمَا عَلِمَ مِنْ حَالَيْهَا وَالثَّالِثُ تَعْلَمُ ذَوَاتِنَا وَصِفَاتِنَا فَلَا تَخْفَى عَلَيْك خَافِيَةٌ ؛ فَأُمُورُنَا مُفَوَّضَةٌ إلَيْك وَنَحْنُ نَسْأَلُك ذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ تَفْوِيضًا مِنْهُمَا وَ " بَصِير " فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَبْلُغُ مِنْ " عَلِيمٍ " لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْمُشَاهَدَةِ وَكَذَا اُسْتُعْمِلَ فِي قَوْلِ ﴿ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إلَى اللَّهِ إنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴾ وَمَعْنَاهُ مُشَاهِدٌ وَحَالِ غَيْرِي فَتَقِينِي مَكْرَهُمْ.
وَانْظُرْ كَيْفَ أَتَى بِصِيغَةِ الْجَمْعِ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ، فَهَاهُنَا قَالَ " بِالْعِبَادِ " وَفِي الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ قَالَ " بِنَا " وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى مَا قَدَّمْنَا الْإِشَارَةَ إلَيْهِ مِنْ مَعْنَى التَّفَوُّضِ إلَيْهِ وَمَعْنَى الِاجْتِمَاعِ.
وَلَمْ يَقُلْ بَصِيرٌ بِي وَذَلِكَ مِنْ كَمَالِ الْأَدَبِ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَفْرَدَ لَرُبَّمَا كَانَ فِيهِ تَعْرِيضٌ بِكَمَالٍ مُوجِبٍ لِلْإِجَابَةِ.
وَقَدَّمَ الْجَارَّ وَالْمَجْرُورَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى لِيَبْدَأَ بِمَحِلِّ السُّؤَالِ ؛ وَهُوَ مُوسَى وَهَارُونُ عَلَيْهِمَا


الصفحة التالية
Icon