ولما كان المحدث عنه لايعقل، وأخبر عنه بحمع كثرة، كان الأنسب معاملته معاملة الواحدة المؤنثة فقال :﴿أخرى﴾ تاركاً للتفصيل، فكأنه قيل : فماذا قيل له؟ فقيل :﴿قال ألقها﴾ أي العصا، وأنسه بقوله سبحانه وتعالى :﴿يا موسى فألقاها﴾ أي فتسبب عن هذا الأمر المطاع أنه ألقاها ولم يتلعثم ﴿فإذا هي﴾ أي في الحال ظاهراً وباطناً ﴿حية﴾ عظيمة جداً يطلق عليها لعظمعا بنهاية أمرها اسم الثعبان، والحية اسم جنس يقع على الذكر والأنثى والصغير والكبير ﴿تسعى﴾ سعياً خفيفاً يطلق عليها لأجله في أول أمرها اسم الجان، فعن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ أنها صارت حية صفراء لها عرف كعرف الفرس، وجعلت تتورم حتى صارت ثعباناً - انتهى.
فهي في عظم الثعبان وسرعة الجان.
ولما كان ذلك أمراً مخيفاً، استشرف السامع إلى ما يكون من حاله عند مثل هذا بعد ذلك، فاستأنف إخباره بقوله :﴿قال﴾ أي الله تبارك وتعالى على ما يكون منها عند فرعون لأجل التدريب :﴿خذها ولا تخف﴾ مشيراً إلى أنه خاف منها على عادة الطبع البشريّ ؛ ثم علل له النهي عن الخوف بقوله ﴿سنعيدها﴾ أي بعظمتنا عند أخذك لها بوعد لا خلف فيه ﴿سيرتها﴾ أي طريقتها ﴿الأولى﴾ من كونها عصا، فهذه آية بينة على أن الذي يخاطبك هو ربك الذي له الأسماء الحسنى، فنزلت عليه السكينة، وبلغ من طمأنينته أن أدخل يده في فمها وأخذ بلحيتها، فإذا هي عصاه، ويده بين شعبتيها.