﴿ قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (٤٥) ﴾
اعلم أن قوله :﴿قَالاَ رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ﴾ فيه أسئلة :
السؤال الأول : قوله :﴿قَالاَ رَبَّنَا﴾ يدل على أن المتكلم بذلك موسى وهرون عليهما السلام وهرون لم يكن حاضراً هذا المقال فكيف ذلك وجوابه قد تقدم.
السؤال الثاني : أن موسى عليه السلام قال :﴿رَبِّ اشرح لِي صَدْرِي﴾ [ طه : ٢٥ ] فأجابه الله تعالى بقوله :﴿قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ ياموسى﴾ [ طه : ٣٦ ] وهذا يدل على أنه قد انشرح صدره وتيسر أمره فكيف قال بعده :﴿إِنَّنَا نَخَافُ﴾ فإن حصول الخوف يمنع من حصول شرح الصدر.
والجواب : أن شرح الصدر عبارة عن تقويته على ضبط تلك الأوامر والنواحي وحفظ تلك الشرائع على وجه لا يتطرق إليه السهو والتحريف وذلك شيء آخر غير زوال الخوف.
السؤال الثالث : أما علم موسى وهرون وقد حملهما الله تعالى الرسالة أنه تعالى يؤمنهما من القتل الذي هو مقطعة عن الأداء.
الجواب : قد أمنا ذلك وإن جوزا أن ينالهما السوء من قبل تمام الأداء أو بعده وأيضاً فإنهما استظهرا بأن سألا ربهما ما يزيد في ثبات قلبهما على دعائه وذلك بأن ينضاف الدليل النقلي إلى العقلي زيادة في الطمأنينة كما قال :﴿ولكن لّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [ البقرة : ٢٦٠ ].
السؤال الرابع : لما تكرر الأمر من الله تعالى بالذهاب فعدم الذهاب والتعلل بالخوف هل يدل على المعصية.
الجواب : لو اقتضى الأمر الفور لكان ذلك من أقوى الدلائل على المعصية لا سيما وقد أكثر الله تعالى من أنواع التشريف وتقوية القلب وإزالة الغم ولكن ليس الأمر على الفور فزال السؤال وهذا من أقوى الدلائل على أن الأمر لا يقتضي الفور إذا ضممت إليه ما يدل على أن المعصية غير جائزة على الرسل أما قوله تعالى :﴿أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يطغى﴾ فاعلم أن في :﴿أَن يَفْرُطَ﴾ وجوهاً.