أما قوله :﴿قَالَ لاَ تَخَافَا إِنَّنِى مَعَكُمَا أَسْمَعُ وأرى﴾ فالمراد لا تخافا مما عرض في قلبكما من الإفراط والطغيان لأن ذلك هو المفهوم من الكلام يبين ذلك أنه تعالى لم يؤمنهما من الرد ولا من التكذيب بالآيات ومعارضة السحرة أما قوله :﴿إِنَّنِى مَعَكُمَا﴾ فهو عبارة عن الحراسة والحفظ وعلى هذا الوجه يقال : الله معك على وجه الدعاء وأكد ذلك بقوله :﴿أَسْمَعُ وأرى﴾ فإن من يكون مع الغير وناصراً له وحافظاً يجوز أن لا يعلم كل ما يناله وإنما يحرسه فيما يعلم فبين سبحانه وتعالى أنه معهما بالحفظ والعلم في جميع ما ينالهما وذلك هو النهاية في إزالة الخوف قال القفال قوله :﴿أَسْمَعُ وأرى﴾ يحتمل أن يكون مقابلاً لقوله :﴿أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يطغى﴾ والمعنى :﴿يَفْرُطَ عَلَيْنَا﴾ بأن لا يسمع منا :﴿أَوْ أَن يطغى﴾ بأن يقتلنا فقال الله تعالى :﴿إِنَّنِى مَعَكُمَا﴾ أسمع كلامه معكما فأسخره للاستماع منكما وأرى أفعاله فلا أتركه حتى يفعل بكما ما تكرهانه، واعلم أن هذه الآية تدل على أن كونه تعالى سميعاً وبصيراً صفتان زائدتان على العلم لأن قوله :﴿إِنَّنِى مَعَكُمَا﴾ دل على العلم فقوله :﴿أَسْمَعُ وأرى﴾ لو دل على العلم لكان ذلك تكريراً وهو خلاف الأصل ثم إنه سبحانه أعاد ذلك التكليف فقال :﴿فَأْتِيَاهُ﴾ لأنه سبحانه وتعالى قال في المرة الأولى :﴿لِنُرِيَكَ مِنْ ءاياتنا الكبرى * اذهب إلى فِرْعَوْنَ﴾ [ طه : ٢٣، ٢٤ ] وفي الثانية :﴿اذهب أَنتَ وَأَخُوكَ﴾ [ طه : ٤٢ ] وفي الثالثة : قال :﴿اذهبا إلى فِرْعَوْنَ﴾ [ طه : ٤٣ ] وفي الرابعة قال ههنا فأتياه فإن قيل إنه تعالى أمرهما في المرة الثانية بأن يقولا له :﴿قَوْلاً لَّيّناً﴾ [ طه : ٤٤ ] وفي هذه المرة الرابعة أمرهما أن يقولاَ :﴿إِنَّا رَسُولاَ رَبّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِى إسرائيل ﴾ وفيه تغليظ من وجوه : أحدها : أن قوله :﴿إِنَّا رَسُولاَ رَبّكَ﴾