وقال ابن العربى :
قَوْله تَعَالَى :﴿ اذْهَبَا إلَى فِرْعَوْنَ إنَّهُ طَغَى فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى قَالَا رَبَّنَا إنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى ﴾.
فِيهَا مَسْأَلَتَانِ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : يَجُوزُ أَنْ يُرْسِلَ اللَّهُ رَسُولَيْنِ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذِكْرَ قَاضِيَيْنِ وَأَمِيرَيْنِ، وَالرِّسَالَةُ بِخِلَافِ ذَلِكَ، فَإِنَّهَا تَبْلِيغٌ عَنْ اللَّهِ، فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الشَّهَادَةِ، فَإِنْ كَانَ الْقَضَاءُ وَقُلْنَا لَا يَجُوزُ لِنَبِيٍّ أَنْ يُشَرِّعَ إلَّا بِوَحْيٍ جَازَ أَنْ يَحْكُمَا مَعًا، وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَجْتَهِدَ النَّبِيُّ لَمْ يَحْكُمْ إلَّا أَحَدُهُمَا، وَهَذَا يَتِمُّ بَيَانُهُ فِي قِصَّةِ دَاوُد وَسُلَيْمَانَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : فِي جَوَازِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ بِاللِّينِ لِمَنْ مَعَهُ الْقُوَّةُ، وَضُمِنَتْ لَهُ الْعِصْمَةُ، أَلَا تَرَاهُ قَالَ لَهُمَا : قَوْلَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا، وَلَا تَخَافَا إنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى.
فَفِي الإسرائليات أَنَّ مُوسَى أَقَامَ عَلَى بَابِ فِرْعَوْنَ سَنَةً لَا يَجِدُ رَسُولًا يُبَلِّغُ كَلَامًا، حَتَّى لَقِيَهُ حِينَ خَرَجَ فَجَرَى لَهُ مَا قَصَّ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ أَمْرِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ تَسْلِيَةً لِمَنْ جَاءَ بَعْدَهُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي سِيرَتِهِمْ مَعَ الظَّالِمِينَ.
وَرَبُّك أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ. أ هـ ﴿أحكام القرآن لابن العربى حـ ٣ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon