فائدة
قال الإمام السبكى :
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : كُنْت أَتْلُو فِي سُورَةِ طَه ﴿ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى ﴾ فَقَالَ لِي ابْنِي أَحْمَدُ لِمَ جَاءَ هَذَا فِي وَسَطِ الْكَلَامِ ؛ وَفِي كِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى هِرَقْلَ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ ؟ وَالْجَوَابُ : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الصُّورَةِ قَالَ ﴿ فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا ﴾ فَهَذَا هُوَ أَوَّلُ مُخَاطَبَتِهِمَا لِفِرْعَوْنَ وَلَعَلَّهُمَا قَالَا فِيهَا سَلَامٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى.
أَوْ أَلْيَنُ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ ﴿ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى ﴾ مِنْهُمْ عَدَمُ السَّلَامِ عَلَى غَيْرِهِ وَذَلِكَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى هِرَقْلَ بَعْدَ مُضِيِّ إحْدَى وَعِشْرِينَ سَنَةً مِنْ نُبُوَّتِهِ يَعْلَمُ مِنْهُ ذَلِكَ وَلَيْسَ مِثْلُ أَوَّلِ قُدُومِ مُوسَى وَهَارُونَ عَلَى فِرْعَوْنَ فَقَدْ لَا يَحْتَمِلُ مُفَاجَأَتَهُمَا بِذَلِكَ وَاكْتَفَى بِأَمْرِهِمَا بِالْقَوْلِ اللَّيِّنِ وَهُمَا يَعْلَمَانِ الْقَوْلَ اللَّيِّنَ، أَلَا تَرَى إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَيْفَ قَالَ لِأَبِيهِ ﴿ سَلَامٌ عَلَيْك ﴾ لِحَقِّ الْأُبُوَّةِ، وَكَانَ لِفِرْعَوْنَ حَقُّ التَّرْبِيَةِ فَلَا يُسْتَبْعَدُ مِنْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يُلَاطِفَهُ ؛ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ لِهِرَقْلَ وَلَا لِأَمْثَالِهِ عَلَيْهِ حَقٌّ، وَلَمَّا أَمَرَهُمَا اللَّهُ فِي الْكَلَامِ الْأَوَّلِ بِالْمُلَايَنَةِ أَخَذَ فِي الْكَلَامِ الثَّانِي يُعَلِّمُهُمَا مَقْصُودَ الرِّسَالَةِ وَخَتَمَهُ بِقَوْلِهِ ﴿ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى ﴾ فَجَاءَ بَعْدَ الْكَلَامِ الْمَقْصُودِ بِالرِّسَالَةِ لَمَّا أُمِرَا أَنْ يَقُولَا الْقَوْلَ اللَّيِّنَ وَفَرَغَا مِنْهُ قِيلَ لَهُمَا أَنْ يَقُولَا مَا هُوَ مَقْصُودُ الرِّسَالَةِ مِنْ أَنَّهُمَا رَسُولَا رَبِّهِ أَنْ يُرْسِلَ مَعَهُمَا بَنِي إسْرَائِيلَ وَلَا يُعَذِّبْهُمْ، وَمَجِيئُهُمَا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ.
فَهَذَا هُوَ مَقْصُودُ الرِّسَالَةِ.
وَخَتَمَاهُ بِالسَّلَامِ مُعَرَّفًا عَلَى عَادَةِ السَّلَامِ فِي آخِرِ الرَّسَائِلِ فَهُوَ سَلَامُ دُعَاءٍ لَا سَلَامُ تَحِيَّةٍ.