فصل
قال الفخر :
المنة الرابعة : قوله :﴿إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ﴾ واعلم أن العامل في إذ تمشى ألقيت أو تصنع، يروى أنه لما فشا الخبر بمصر أن آل فرعون أخذوا غلاماً في النيل وكان لا يرتضع من ثدي كل امرأة يؤتى بها لأن الله تعالى قد حرم عليه المراضع غير أمه اضطروا إلى تتبع النساء فلما رأت ذلك أخت موسى جاءت إليهم متنكرة فقالت :﴿هَلْ أَدُلُّكُمْ على أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ﴾ [ القصص : ١٢ ] ثم جاءت بالأم فقبل ثديها فرجع إلى أمه بما لطف الله تعالى له من هذا التدبير.
أما قوله تعالى :﴿فرجعناك إلى أُمّكَ﴾ أي رددناك، وقال في موضع آخر :﴿فرددناه إلى أُمّهِ﴾ [ القصص : ١٣ ] وهو كقوله :﴿قَالَ رَبّ ارجعون﴾ [ المؤمنون : ٩٩ ] أي ردوني إلى الدنيا، أما قوله :﴿كَي تَقَرَّ عَيْنُها وَلاَ تَحْزَنَ﴾ فالمراد أن المقصود من ردك إليها حصول السرور لها وزوال الحزن عنها، فإن قيل : لو قال كي لا تحزن وتقر عينها كان الكلام مفيداً لأنه لا يلزم من نفي الحزن حصول السرور لها، وأما لما قال أولاً كي تقر عينها كان قوله بعد ذلك :﴿وَلاَ تَحْزَنْ﴾ فضلاً لأنه متى حصل السرور وجب زوال الغم لا محالة، قلنا : المراد أنه تقر عينها بسبب وصولك إليها فيزول عنها الحزن بسبب عدم وصول لبن غيرها إلى باطنك.
والمنة الخامسة : قوله :﴿وَقَتَلْتَ نَفْساً فنجيناك مِنَ الغم﴾ فالمراد به وقتلت بعد كبرك نفساً وهو الرجل الذي قتله خطأ بأن وكزه حيث استغاثه الإسرائيلي عليه وكان قبطياً فحصل له الغم من وجهين، أحدهما : من عقاب الدنيا وهو اقتصاص فرعون منه ما حكى الله تعالى عنه :﴿فَأَصْبَحَ فِى المدينة خَائِفاً يَتَرَقَّبُ﴾ [ القصص : ١٨ ] والآخر من عقاب الله تعالى حيث قتله لا بأمر الله فنجاه الله تعالى من الغمين، أما من فرعون فحين وفق له المهاجرة إلى مدين وأما من عقاب الآخرة فلأنه سبحانه وتعالى غفر له ذلك.