اعلم أن موسى عليه السلام استدل على إثبات الصانع بأحوال المخلوقات وهو قوله :﴿رَبُّنَا الذى أعطى كُلَّ شَىء خَلْقَهُ ثُمَّ هدى﴾ وهذه الدلالة هي التي ذكرها الله تعالى لمحمد ﷺ في قوله :﴿سَبِّحِ اسم رَبّكَ الأعلى * الذي خَلَقَ فسوى * والذى قَدَّرَ فهدى﴾ [ الأعلى : ١ ٣ ] قال إبراهيم عليه السلام :﴿فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ العالمين الذي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ﴾ وإن موسى عليه السلام في أكثر الأمور يعول على دلائل إبراهيم عليه السلام وسيأتي تقرير ذلك في سورة الشعراء إن شاء الله تعالى واعلم أنه يشبه أن يكون الخلق عبارة عن تركيب القوالب والأبدان والهداية عبارة عن إبداع القوى المدركة والمحركة في تلك الأجسام وعلى هذا التقدير يكون الخلق مقدماً على الهداية ولذلك قال :﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى﴾ [ الحجر : ٢٩ ] فالتسوية راجعة إلى القالب ونفخ الروح إشارة إلى إبداع القوى وقال :﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِن سلالة مّن طِينٍ﴾ [ المؤمنون : ١٢ ] إلى أن قال :﴿ثُم أنشأناه خلقاً آخر﴾ [ المؤمنون : ١٤ ] فظهر أن الخلق مقدم على الهداية، والشروع في بيان عجائب حكمة الله تعالى في الخلق والهداية شروع في بحر لا ساحل له.
ولنذكر منه أمثلة قريبة إلى الأفهام.


الصفحة التالية
Icon